قراءة في دلالة ” عاصفة الحزم”.

 

images

حسن أعبدي – طالب  باحث tgoumaste01@gmail.com

اتخذ القرار بشن ”الحرب الجوية ”، ” الهجوم الجوي ” ، ” الحملة العسكرية الجوية ” ضد  ” الحوثيين” ، ”جماعة  أنصار  الله”وأنصارهم باليمن ، لكن  الأمر  الذي لم  ينتبه  إليه  ، أو  الذي لم  يسلط عليه الضوء هو هذه التسمية والإصطلاح، أو المركب الاسمي المفرادتي، أو البنية الاستعارية ” عاصفة الحزم ” .

لست  أدري، هل  أقول : سمها  ما  شئت ، أم  أقول  لا مشاحة في المصطلحات، أم هناك مشاحة في المصطلحات ، أم  أن مناقشتها  ليس من شيم  الرجال كما يقول الحكماء  والأدباء، أم أن التغاضي عن دلالة العناوين  والمصطلحات المشحونة والمختزنة والمكتنزة والمكثفة  والمختزلة  باعتبارها ”علامة  دلالية  يفتتح  بها  النص، يمكننا من حصر مجموعة  من العلاقات السيمائية التي  تتعلق بالدلائل اللغوية المكونة للعنوان ودلالته والمراجع التي يحيل  إليه …”[1] المقالة  لن تهتم بالمجريات  والأحداث  والتفاصيل والمتابعات  والمشاهد الميدانية، وبالبيان العسكري  والسياسي والدبلوماسي، كما لن نهتم بصداها الإعلامي والسياسي والدبلوماسي وغيره ، ولن  تقوم  بإعطاء  تحليل سياسي وعسكري  وجيواستراتيجي، ولن تقدم تأويلات وتفسيرات،  بل ستحاول التحليل والدراسة والتشريح استنادا إلى بعض المعطيات اللغوية واللسانية ( نحوية، إعرابية،، والخروج والخلوص في  الأخير  بطرح سلة من الأسئلة الإشكالية المفتوحة علنا نظفر   بطرف من الإجابات بين ثناياها.

الحالة النحوية والإعرابية :

  • عاصفة:
  • اسم
  • مشتقة من فعل عصف الثلاثي التام التصرف الصحيح.
  • نكرة
  • خبر مرفوع وهو مضاف (المبتدأ محذوف هذه)[2]
  • الحزم:
  • اسم
  • معرف بأل(معرفة)
  • مشتق من فعل حزم الثلاثي التام الصحيح.
  • مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة على آخره[3]

من حيث عدد الحروف:

– عاصفة: 5 حروف .

– الحزم :  5 حروف .

من حيث مخارج  الأصوات و الحروف :

مادة : (ع.ا.ص.ف.ة)

  • العين : حلقي / صامت مجهور/ احتكاكي.
  • الألف : الحنجرية / من حروف الذلاقة.
  • الصاد : الأسنانية اللثوية / صامت مهموس/ رخو/ احتكاكي. وهو أيضا من المطبقات.
  • الفاء: الأسنانية الشفوية/صامت مهموس/رخو/احتكاكي،وهو أيضا من حروف الذلاقة والانخفاض.
  • التاء : الأسنانية اللثوية / صامت مهموس/ شديد/ انفجاري

مادة : (ح . ز . م) 

  • الحاء : حلقي / صامت مهموس/ رخو/ احتكاكي، من حروف الانخفاض.
  • الزاي : أسناني لثوي / صامت مجهور/ احتكاكي، وهو أيضا من حروف الانخفاض.
  • الميم:من أصوات الغنة /شفوي /صامت مجهور، وهو من حروف الذلاقة، ومن حروف الانخفاض.
  • من حيث الصوائت :
  • مادة : (ع.ا.ص.ف.ة) الفتحة – الكسرة- الفتحة- الضمة زيادة على حرف ساكن.
  • مادة : (ح . ز . م) فتحة وكسرة أي صائتان زيادة على حرفين ساكنين وهمزة وصل.
  • الألف : همزة وصل – الحنجرية / من حروف الذلاقة.
  • اللام : اللثوية أو الخزوبية / صامت مجهور/ جانبي ، وهو أيضا من حروف الذلاقة.

ويتأكد من خلال هذه المقارنة والمقاربة :

– تشابه وتقارب مخارج حروف هاتين الكلمتين، فهي كلها تشترك في القوة والعنف والشدة والضغط الصوتي.

– تشابه بين العين والحاء، وبين الصاد والزاي، وبين الفاء والميم .

– التعادل والتساوي بين عدد الحروف .

دور ” ال ” التعريف في  ” الحزم ” :

تحدث العلماء والمتخصصون والدارسون والباحثون في علوم النحو واللغة واللسانيات والفقه والأصول  والمصطلحات والخطاب والنص من القدماء والمحدثون شرقا وغربا عن دور أداة التعريف ال أو المعرف بال وأفردوا لذلك أبوابا ومباحث وفصول تؤكد كلها الدور والأهمية البالغة للتحديد والتعريف في توجيه وتحديد دلالات ومعاني التي تسهم في اتساق وانسجام الألفاظ والكلمات والمفردات والعبارات والمصطلحات والجمل والنصوص والخطابات.

ف ” ال” هنا مصدرية ، قمرية ، وتحمل معاني الإضافة، الربط و الوصل والاتصال  والربط والترابط والعقد والتماسك والتعيين  والتحديد  والتوسيع والتوجيه والإبراز والتعميم والكلية  والشمول والتكثيف والتوصيف والتأصيل  والوظيفية والعلائقية والتوسط والبينية بين ” عاصفة ”  و ” حزم ” .

الناحية المعجمية والتدوالية :

المفردتان ووردتا في القرآن الكريم ( وكذا الشعر  والأدب والأمثال  والحكم وغيره، وفي قواميس ومعاجم لسان العرب ومعجم اللغة  العربية المعاصرة، وتاج العروس،ومختار الصحاح،والمعجم الوسيط،والصحاح في  اللغة،ومعجم كلمات القرآن، ومعجم المعاني  الجامع، والمعجم الغني، والمعجم الرائد، وكذا ترجمات وردت الكثير من المشتقات والصيغ الصرفية والعبارية تؤدي دلالات  ومعان كثيرة  لكنها تجمعها دلالات مشتركة جامعة:

  • مادة ( ع. ص.ف)

العَصْفُ، أَعْصَفَ، عَصْفُه، مُعْصِفٌ،  عَصَفَهُ، يَعْصِفُه، عَصْفاً، العُصافَةُ، عَصِيفَتُها، عاصِفٌ، عُصَّفٌ، عَصَفت، تَعْصِفُ، عُصُوفاً ، عَصُوفٌ، أَعْصَفَت مُعْصِفَةٌ، مَعاصِفَ، مَعاصِيفَ، العُصُوفَ، يعْصِفُهم، العَصْفُ، العُصُوفُ،  عَصْفَتُها، بعَصْفَةِ، العَصْفَةُ، العَصِيفَةُ، العُصافَةُ، العَصِفَةِ ، العَصِيفِ، العَصْفانِ، اسْتَعْصَفَ، المُعْصِفاتُ، التَّعَصُّفُ، مُعْصِفَةٌ، مُتَعَصِّفُ، بعُصُفِ، اعْتَصَفَ، عَصَف، مٌعْصِفَة، مُتَعَصِّفُ، الإعصافُ، الاعْتِصافُ، العَصْفَة.

وفي ترجمة كلمة عاصفة للغة الانجليزية  والفرنسية – على سبيل المثال- تجد ارتباطها  بسلسلة من المعاني والدلالات وتقاربها اللفظي والمعنوي بالرغم  أن مقابلها الرئيس هو storm، le tempéte،  كما تترجم في  اللغة الفارسية ب  طوفان.

التي تعني الجو، المناخ و الطقس، المطر  والرعد والرياح والريح والثلج، البرد، الحر، السرعة،  الغضب، القوة، الاكتساح، الشدة، الهلاك،الإهلاك، الدمار،الموت، الكثرة، الكارثة، السكون، الهدوء، الانحناء، الخضوع المؤقت، الميلان عن الغرض، الاقتحام، الانقضاض، الزوبعة، الضجة، وابل من القذائف،نوبة، دوي،ضجيج، هدير، أمواج، الهبوب، الغبار، التربة، الزمن، رائحة الخمر، التصفيق، الثورة، الهيجان، ويقال أيضا العصف الذهني كما في فنون التنمية الذاتية والبرمجة اللغوية العصبية، وفي المثل ” من يرزع الريح يحصد العاصفة ”، اللقاءات، الاجتماعات، الصخب…   .

مادة ( ح.ز.م)

حُزِمَ، حُزَم، حَزُمَ، حَزِمَ، حَزَّمَ، حَزَمَ، حزمل، حزمر، احْتَزَم، أَحْزِمُ، أَحْزَمُ، أحْزَمَ، أُحَزِّمُ، أَحْزُمُ، يَحْزُم، يَحْزَمُ، تَحَزَّمَ، يَحْتَزِمَ، حَزِّمْ، حَزَّمْتُ، حَزِمْتُ، حَزُمْتُ، حَزَمَه، أحْزَمَه، أَحْزَمهُ، حزَّمه، حزْمُكَ، حَيْزومَكَ، حَيازيمكَ، حَزْمَها، حِزامُها، حِزَامها، حِزامَه، حَزْمَه، حزامَهُ، حَزيمَهُ، حَيْزومَيْهِ، حيزومه، تحزيمًا، حِزاماً، حازماً، حَزْماً، حَيْزُوماً، تحزيمًا، حَزَماً، حَزْماً، حُزَماً، حَزيمي، حُزْمةً، محَزَمة، حَزِيمَةُ، حُزُومة، مِحزَمة، الحُزُومةُ، الحِزامَةُ، المِحْزَمةُ، حَزْمَةُ، حَزَمَة، حَزْمَةَ، أحْزِمَةٌ، حَزامَةً، حَزَامَة، حَزّامة،  حَزّامة، حُزْمَةٌ،  الحُزْمَةُ، الحَزْمَةُ، الحُزُمَّة، الحَزِيما، الأَحْزَما، الحَزيمُ، الحَزِيم، حَيازمُ، حَيازيمُ، حَزَائمُ، مَحَازِمُ، أحزام، أَحْزامٍ، الحزائِمُ، الحَيْزومانِ، الحَزيمَتانِ، الحَيازِيمَ، الحيَازيمُ، حازمون، حزيمون، حُزُمات، حُزْمات،  حَزْماءُ، حُزَماءُ، حُزَماء، الحِزامُ، الحِزامِ، حِزَامُ، حِزامٌ، حِزامٍ، المِحْزَمُ، المِحْزَمِ، المَحْزِمُ،  الأَحْزَمِ، الأَحْزَمُ، الحَيْزُومُ، الحَيزُوم، المَحْزوم، الحُزُوم، حَيْزُومٍ، حَيْزُومُ، حُزومٌ، مَحْزوم، حَزِيمٌ، تَحْزِيمٌ، مَحْزِمُ، التَّحَزُّمِ، الحازِمِ، حَازِمٌ، حُزَّمٍ، حُزَّامٍ، مُحزِّم، مُحَزَّم، مُتحزِّم،  مُحْتَزَم، الحَزْمَ، الحَزَمُ، الحَزْمِ، حُزُمٌ، حَزَمٌ، حَزْمٌ، حَزْمُ، حُزْمٌ، حُزَمٌ، الحَزْمُ.

التي ترتبط بمعاني العزم، الحسم، الصرامة،القوة، الشدة، الغلضة، السيطرة، التصميم، الجدية،الصلابة، العمل  والإصرار، العزيمة، الإرادة، السلطة، التحكم، الثقة، الحسم، الضبط، الربط، الشد، رابطة الجأش، الحكمة، الحنكة، الرزانة، التعقل، الوثاقة، الرأي، سوء الظن، الاستشارة، المشورة، الملبس، مواضع من الجسم كالحلقوم والبطن وضلوع  الفؤاد، الاستعداد، التشمير، التحضير، التحفيز، التشجيع، الرجولة، الحطب، اللمة، الكُمة، الانجماع، الكلمة الواحدة، ضد الهضم، التراب الناتج عن السيول، الأرض الغليضة، اسم فرس وفارس عربي، الغصة في  الصدر،  اسم فرس جبريل عليه السلام أو خيل  من الملائكة، أسماء أشخاص وأماكن، الصبي في  مهده، الرحْل، النهج والطريق القويم، الوسط، القصير الممتلىء البطن، الصيام، الاحتراز،  الملبس، المأكل، معرفة الشيء، الجزم، التثبت، التثبيت، التوطين، الموت، الكلام، النداء، الجِدة، الأداة،  الصلاة، الدين، العورة، الشعر،  الدواب، العاصفة جند من الله، وتجد أيضا مقابلها في اللغة الانجليزية والفرنسية هو  promptly  ، PROMPTITUDE  متقاربان لفظا، مشتركان معنى.

لماذا سميت الحرب بعاصفة الحزم ولم  تسمى بعاصفة العزم أو الحسم أو حرب أو هجوم الحزم أو الحزم العاصف أو العاصفة الجوية، الحملة  الجوية  العسكرية ، حرب الحزم، أو عملية الحزم، الهجوم الحاسم أو عاصفة الحسم أو  الحرب الحاسمة أو القصف الجوي أو  الضربات  الجويةـ أو عاصفة الصحراء  … وغيرها من المسميات ؟   ؟كثيرة  هي  الأسئلة  التي أثارت  الضجيج  والصخب والقلق و العصف في  ذهني، وحزمت خلايا تفكيري وحويصلتي ودماغي، و شغلت نفسي حاولت  صياغتها بعضها على النحو الأتي :

هل كان اختيار التسمية اعتباطيا عبثيا وعشوائيا؟

هل هذه  التسمية تسمية علمية أم حربية عسكرية أم  تسمية إعلامية وسياسية  دبلوماسية  ؟ بمعنى هل  انبنت  هذه التسمية  على دراسات  وأبحاث وتحليلات متخصصة ومتعمقة أم  أنها عرضية عادية طارئة تحت الضغط  والتهديد والتغير والتحول ؟

ألا يمكن القول  بأن هناك تسميات أخرى  غير معلنة لعواصف أخرى شنت بشكل  غير  مباشر بمعنى أن  هناك  عواصف  شنت لم  تكن حازمة أو  أقل  حزما ؟

هل شاركت جميع دول  التحالف في وضع التسمية  أم أن الأمر اقتصر  على السعودية ؟

هل تم انتقاء  المفردتين  بعناية فائقة ؟

ألا يمكن القول بأن التسمية وضعت من  طرف  خارجي  أو مركز بحثي استراتيجي  عسكري  خارجي بعيدا عن السعودية  والتحالف ؟

من المخاطب والمخاطب بهذه التسمية ؟

لماذا وظفت هاتين الكلمتين بالضبط دون غيرهما ؟

لماذا تم توظيف الاسم المركب  من كلمتين ؟

لماذا اختيار الأسماء أي المركب  الاسمي بدل الأفعال رغم أن ما يقدمون عليه أفعال ؟

لماذا  اختير أسلوب  الاستعارة أو المركب الاستعاري لتسمية هذه الحرب أو الهجوم ؟

لماذا استعيرت مفردة أو لفظة تمتح من الحقل الدلالي المادي، الطبيعي، المحسوس ، و ربطها الحقل الدلالي القيمي، الرمزي، المعنوي، المجرد ؟

هل  التسمية راجعت لكونها  مرتبطة  بجغرافيا وطبيعة  وبيئة وطباع وثقافة المنطقة ؟

ما علاقة تحليق الطائرات وإسقاط القنابل والصواريخ وإصابة الأهداف المحددة بالعاصفة  والحزم ؟

هل  التقارب والاشتراك  في  بعض  المعطيات  والأوصاف والحالات  اللغوية  واللسانية عرضي أم  أنه محكوم بقواعد وضوبط موضوعة بعناية فائقة ؟

هل انتبه واضعوا  التسمية لكل جوانب ومناحي وأبعاد  المفردتين أم أن  الأمر  لا  يحتاج للانتباه  والعناية ؟

ما علاقتها بالتسميات الآتية:  ”عاصفة الصحراء ”،” الحرب  الباردة ” ، ‘’أمطار الصيف”، ”عناقيد الغضب”، ” ثعلب الصحراء ”،النسر النبيل ”، ” الحرب العادلة ” عدالة بلا حدود ” ؟

بتركيز خاص : ما العلاقة بين ”عاصفة الحزم ”  وبين ” عاصفة الصحراء ” ؟

ألا يمكن القول  بأن هذه عملية إعادة إنتاج لحرب لغوية  مسوحاة من التسمية التي  أطلقت  على  ”حرب الخليج الثانية ” ، ” حرب تحرير الكويت” ، ” أم المعارك ” أم  أنك  ذلك يدخل  فقط في  إطار  الحرب  الإعلامية والنفسية فقط لاغير ؟

ما الرابط  المنطقي والعلمي   بين المتقابلات  الأتية :

  • عاصفة الصحراء / عاصفة الحزم.
  • حقل دلالي واحد مشترك  / حقل دلالي  ثنائي مختلف
  • 30 دولة بقيادة أمريكا / دول التحالف العربي بقيادة السعودية وموقف غامض لأمريكا.
  • ضد العراق (صدام حسين )  / ضد اليمن  ( عبد الملك الحوثي – جماعة أنصار  الله )
  • مواكبة وتغطية اعلامية غير كبيرة غير يومية / مواكبة وتغطية اعلامية كبيرة وهائلة ويومية

…           .

لماذا  توظف في  الحروب بشكل  كبير  المركبات  والبنى الاستعارية ؟

هل  أصاب من تحدث عن الاستعارات  التي  نحيا بها ، وعن  المخفي والمعلن في  الخطابات والحروب اللغوية أم  ذلك كله  محض توهمات وتأويلات وتفسيرات وتحليلات  مخطئة  ؟

 

 

[1]– من مجلة كلية الاداب بالجديدة جامعة أبي شعيب الدكالي، سنة 1993،ع1، ص 54

[2] – https://twitter.com/sboh3333/status/588106323109240834

[3]

حكومة الظل الظليل

 

images

إذا استأسد الجمل على الحمل، وطارد القط الفأر، ونبحت الكلاب، ونعق الغراب، ونهق الحمار، وصرخ البراح، وذبل النبات، وشح الماء، وتهافت النمل على القصعة، وسكنت الأكواخ، وجعل من المراحيض منازل…؛

 ووضع الشريف، وعلا شأن العريف، وتطاول القاصي على الداني، واستؤصل المعارض، ثم استأسد السفهاء، وتم البيع بالرخيص، والشراء بالزهيد…؛

 وتلوث الماء، وقطع الكهرباء، وفاض الوادي، فصرخوا أن هبوا لنجدة الأهالي، فقد انفجرت القنوات، وهدمت البيوت، وركب الناس الفلك في الشوارع، وانجرفت الأراضي، أن الحقوا بالمحاصيل، وآنهارت المباني فوق رؤوس المواطنين و أسقف المساجد فوق رؤوس المصلين…؛

لأن خطط التعمير فشلت،، ولأن المساجد دولت وأممت، والأوقاف حبست فانحبست، والميزانيات آستنفذت، والمخازن أفرغت، والأموال العامة هربت، في بنوك سويسرا كدست… !

وإذا سخطت النفوس، وذاقت الأرض بما رحبت، وتبرمت الوجوه، وتهجمت الملامح، ونفرت الطبائع، وآثاقلت الأرواح إلى الأرض، وامتدت الأيادي، وارتفعت الأسعار، وفاحت الروائح، وكثرت العطالة، وتناسلت الأرحام، واختنقت الشقق وأسطح العمارات؛ لأن السكان سكنوا تحت الأدراج، بينما تبنى بأموالهم زينة الأبراج… !

و أما إذا تغافل الناس عن رب الأرباب بسبب آحتكار الخبز من طرف الأرباب…؛

 ثم هشمت الرؤوس، وكسرت العظام، وأطعم الفقراء القطمير، وأووا إلى القصدير، وأشربوا المرارة شرب الهيم، وألقموا الخوف على الريق… !

 وإذا ارتعش الفؤاد، وتلعثم اللسان، ولان الجانب، وخفض الجناح للبعوض، وتوالدت الأدواء، فقل الدواء، ووخز الجراح، وأجهض الطبيب، وترك الطريح حتى يأتي “البقشيش”، وإلا فالمصير إلى ما بعد الكورنيش…!

وإذا رأيت الفيل يدوس على النمل، ورأيت الأسود تكبرت على البرايا، فأعلم أنك تحت ظل قانون الغاب…!

وإذا تكشرت الأسنان، وافترست الأجساد، ونهشت اللحوم، وهي في القبور، وتعددت الأفهام، وقلت الأعلام، ورفعت الأقزام، ونكست الأقلام…؛

 ذلك لأن البطانة والحواشي و’’القوافي….’’ على العروش، للحرير توسدت فوق ‘’الفروش’’، وملئت “الكروش”، قد حصلت القروش ، في رمشة عين قررت، أن أطلقوا الوحوش لتفترس النفوس حتى ولو في النعوش… !

وإذا رأيت القطار قد انقلب، والمطار اضطرب، والطريق تعب…؛

فأعلم أن القانون سحب، والصندوق سلب، والمسئول كذب، وأن جيب المواطن  ثقب   !

ثم إذا رأيت الشوارع أنشئت، والأرصفة نقيت، والأزقة سودت ، والجدران صبغت، والحانات أغلقت؛

فاعلم رحمك الله  أن الموازين و ‘’النموزين’’  من هنا وهناك قد مرت…  !

وأما المعامل فللسموم أفرزت ونفثت، ثم لوثت، وأن الموانئ استوردت أكثر مما صدرت، والقوارب للأدمغة والبشر أغرقت والشوطىء لهم  رمت  وأسماك القرش لعظامهم تقيأت…!

فأعلم أن المبني للمجهول قد حزم، بتعالميه النافذة أمر، وأن المبني للمعلوم رخص، والظاهر للعيان وافق ، والمنصوب أمضى، و المجزوم مرر، ولا تسأل عن المجرور فللريق بلع !

فلماذا  لا تفهم رحمك  الله  أيها المجرور والمنصوب والمجزوم والمبني  للمعلوم على حساب المبني للمجهول، أن الشيوخ صبروا، والقواد تعبوا، والبشاوات سهروا، والعمال والولاة وما فوقهم راودوا، ولأمن  الرعية واستقرار البلاد  ومصالح العباد قد حافظوا!

هو إذن حق ظاهر وقانون صارم ودستور باهر !

تلك إذن ديمقراطية أزلفت، وحداثة لبست، ومخزنية ما عادت كما كانت ، لأنها تطورت وتبدلت !

 ودبلوماسية  ‘’ناجحة  ‘’ في الملفات أنهكت، وخارجية في الرحلات والجولات مسكينة قد تعبت وملت، وسفارات بضجيج الوفود صخبت، وقنصليات لجوازات وأوراق الجالية راقبت، وبالكفاءات والأطر والعقول  والأدمغة الذكية والنوابغ استنفرت، فهجرت!

ثم اعلم أن هناك مثقفين لكل ذلك في أبراجهم العاجية نظروا، وعبر الأبواق عن ذلك عبروا، وأن فنانين أبدعوا، وعدائين هرولوا، ولأنفاسهم كتموا، وأن مذيعين صرخوا بحناجرهم حتى بحوا، وأن صحفيين بأقلامهم حرروا، وأن المراسلين من الأقاصي والأعماق للتهميش والحرمان والفساد….قد نقلوا!

هي إذن جيوش في قواعدها على استعداد قد تدربت، وأجهزة بلا قانون ارتشت فرشيت، و للأصوات قمعت، وجمارك ما بين هربت وحجزت، وأخرى آحتوشت واحتوت، ثم استحوذت… !

ولا تغفل عن ‘’العفاريت ‘’ ، ولا تلهى فتلتهمك ‘’ التماسيح’’ !

وإياك و’’الديناصورات ‘’  فهم من فصيلة  ‘’ التينينات ’’  !

 وإذا كنت تتذكر أصحاب الظل الطويل؛ فاعلم أنهم قد نهلوا من تلك المدرسة، من حكومة أصحاب الظل الظليل استظلوا، ومن الظل الوفير تحت العريش قطفوا !

هو إذن حكم جائر وشعب خاسر !

هي إذن رسالة لأنظمة أينعت، أن أشجارا قد قطعت، ومن الجذور اقتلعت؛

 وأن  – شركة طيفال- باللصاق بعثت، ولصناعة – موديلات- من الكراسي قد شرعت   !

وما تأت ذلك إلا لأن ربيعا وأزهارا تفتقت، وشعوبا غضبت، ثم انتفضت للياسمين والفل أفرزت، وللعقيد والرقيب مسخت فقذفت، والأمة للباقي انتظرت، وللاستبداد والفساد، ولأصحاب  حكومة الظل  الظليل   تربصت رغم تمددهم و عودة انتشارهم  فما ملت … .

Continue reading

قصة الملتقى الدولي للكاراطي بتنغير جنوب شرق المغرب مع البطل المغربي مراد غجي

téléchargement (2) téléchargement (1) téléchargement

بقلم حسن أعبدي

(…) منذ مدة دار حوار بيني وبين الأستاذ مراد غجي بطل المغرب في رياضة الكاراطي ، كانت فرصة للقاء معه منذ سنوات عديدة ،و لتهنئته بمناسبة فوزه ببطولة المغرب في رياضة الكاراطي، كانت فرصة أيضا للحديث عن واقع الرياضة بمنطقة تنغير جنوب شرق المغرب، وآفاقها خاصة في رياضات فنون الحرب التي ارتفع عدد ممارسيها بشكل مهم في المنطقة في السنوات الأخيرة، وهناك إمكانية ارتفاعها بنسبكبيرة إذا التفكير الجدي من طرف مندوبية وزارة الشباب والرياضة والمسؤولين المحليين في الدعم المادي والمعنوي.

(…) أثناء تجاذبنا لأطراف الحديث حدثني عن قصة غريبة عجيبة بقيت على أثر وقعها مندهشا…، كانت قصة الملتقى العالمي والدولي الأول لرياضة الكارطي الذي كان من المقرر تنظيمه بمدينة تنغير بحضور دول وفرق وازنة ومشهورة ومعروفة على الصعيد الدولي والعالمي تحضر إلى مدينة تنغير ، قال عنه البطل مراد غجي – بأنه لو نظم في تنغير فسوف يكون له أثر كبير وبالغ وإيجابي وصيت عالمي للمنطقة خاصة من الناحية السياحية والاقتصادية… .

(…) كان الإعداد يجري على قدم وساق من طرف البطل مراد ومجموعة من أصدقائه أبطال آخرين في هذه الرياضة ينضوون تحت لواء جمعيات رياضية للكارطي بتنغير من أجل أن تجري المنافسات، ويمر التنظيم في أروع وأحسن الظروف، وكان التفكير والهم الشاغل لهم في كيفية الإخراج النهائي و الاستقبال الحار والبرمجة الحافلة والمتنوعة والتسويق الجيد، وفي توفير جميع الظروف والإمكانات اللازمة والضرورية لنجاح هذا الحدث الرياضي الكبير الأول من نوعه في المنطقة وربما في المغرب . لم تمل على مراد وجمعيته وأصدقائه شروط تعجيزية في التنظيم ، بتوفير قاعات مجهزة لوجيستكية عالية المستوى، أو بروتوكولات معينة، بل تم اقتراح إحدى الساحات بمدخل مدينة تنغير لإجراء المنافسات في الهواء الطلق.

(…) تعجبت من قوة تحمسه وتفاعله مع الفكرة، ومن قوة إرادته ومضاء عزيمته، ومن غيرته وحرصه الشديد على النجاح والتفوق والتميز والرقي والإزدهار للمنطقة ؛ كما تأسفت بدوري للأبواب الموصدة في وجهه ، و تحسرت على الوعود التي وعد بها من طرف عامل الإقليم السابق قبل مغادرته بشهرين الذي لو يمتلك درة تفكير ما كان عليه أن يترك إنجازا كهذا ينفلت من بين يديه يشكر عليه، أو لعله يبيض به صفحاته السوداء التي تركها وراءه في المنطقة.

(…) اتصل بطلنا مراد بالعديد من المسؤولين، لكن سياسة الأذان الصماء المعهودة والتسويفات المؤجلة، وطابورات الانتظار الطويلة ، كانت في انتظاره واستقباله حيثما يتوجه من مؤسسة وإدارة مسؤولة إلى أخرى بلا مجيب وبلا رد مقنع .

(…) كانت علامات المرارة والحسرة، ونبرات التأفف والتأسف بادية على محياه الرياضي الجميل ، متأسفا على ضياع فرصة ثمينة لا تعوض لمنطقة تنغير وللمغرب، لما من شأنه أن يعود عليها بالنفع العميم والمداخيل المهمة التي يمكن أن تدرها على خزينة البلدية، والسمعة العالمية، والصيت الرياضي الوطني، والشهرة السياحية، وهلم جرا من النتائج الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية على ساكنة وشباب المنطقة. حز في نفسي أن يمر الموضوع هكذا مرور الكرام دون أن أخذ قلمي وأخط أسطرا معدودة عن هذا الموضوع ربما أزيل عنه شيئا من اللثام وأمسح عنه غبار الرفوف وطي النسيان وأثر الزمن ولامبالة المسؤولين.

لست أدري كيف رقت جفون المسؤولين في المنطقة أمام إفلات فرصة هذا الحدث الرياضي الدولي الكبير .

– لماذا يراد لمنطقة تنغير أن تعيش في الإقصاء والتهميش الرياضي رغم أنها تحصد نتائج طيبة في منافسات وطنية وتطمح لتمثيل البلاد على الصعيد الدولي والعالمي؟

– من المسؤول عن إجهاض حلم إقامة الملتقى العالمي والدولي لرياضة الكاراطي بتنغير ؟

– لماذا تماطل عامل الإقليم السابق عن تنفيذ وعده لجمعية مراد وأصدقائه ؟

– هل تتلقى رياضات فنون الحرب دعما ماديا ومعنويا من طرف المسؤولين بالمنطقة ؟

– لماذا يراد للشباب التنغيري أن يستوطن أوكار الفساد والشر والسلبية بكل أنواعها، في حين تجهض كل أحلامهم الرياضة ومواهب ومهارتهم ؟

– أين دور مندوبية وزارة الرياضة بتنغير ؟

– هل يمكن تدارك هذه الفرصة الضائعة وتعويضها بفرص أخرى ؟

– لماذا فشل التدبير الرياضي بالمنطقة ما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك ؟

– لماذا يستمر مسلسل التمهيش والإقصاء حتى على المستوى الرياضي خاصة بالنسبة للرياضات التي تحصد نتائج مشرفة ؟

– لماذا لا تتوفر تنغير على بنية تحتية رياضية مهمة منذ الاستقلال ؟

– أما آن الأوان لسياسة « اللائحة السوداء » أن تنتهي ؟

أسئلة نترك الإجابة عليها لمن يهمه الأمر .

الإعلام المغربي و حتمية الإجابة عن الأسئلة التأسيسية.

téléchargementبقلم : حسن أعبدي

بات من الضروري واللازم إعطاء الأهمية البالغة لوسائل الإعلام المختلفة نظرا للتطورات التكنولوجية الحديثة الهائلة التي ساهمت في خلق فضاءات شاسعة للتواصل والاتصال وتبادل المعلومة وآخر الأحداث والمستجدات العالمية في شتى الميادين من خلال ما وفرته الشبكة العنكوبتية الأنترنيت ووسائل الإعلام السمعية البصرية بعدما كان السائد هو الإعلام المكتوب والإذاعي، مما جعل العالم قرية صغيرة تتيح فرصا أكثر وأدق وأسرع للتواصل والاتصال بين أنحاء العالم.

وقد انتشر صداها ليصل حتى الشعوب المتخلفة والنامية، لتبرز بذلك إلى السطح ظواهر إعلامية لها ارتباطات وأبعاد سياسية واقتصادية اجتماعية وثقافية تمس العديد من الشعوب والثقافات سلبا أو إيجابا، وأصبحت تطرح في الساحة الإعلامية العديد من الإشكالات المتلازمة والمترابطة، وطرحت تحديات كبرى تواجه الإعلام عانت الشعوب العربية والإسلامية منها بشكل كبير رغم التأخر والتخلف في الاندماج في هذه التطورات.، إلا أنه في العقود الأخيرة فتح المجال أمام العديد من الشعوب والثقافات للتعبير عن نفسها لكن الكثير منها ومن ضمنها الشعوب العربية والإسلامية خاصة المغرب، التي لم تستطيع لحد الآن الاندماج الحقيقي والتعامل الصحيح والمهني بصفة عامة وفقا لأنماطها المجتمعية وطابعها الثقافي المغاير والمتمايز عن باقي الخصوصيات والحضارات والأمم الأخرى، لذلك تأثرت بشكل سلبي جدا مقارنة مع الجانب الايجابي، فأضحت مستهلكة ومتلقية ومشاهدة ومتفرجة إلى عهد قريب، بينما في جوانب متعددة ما تزال تجتر المخلفات والفضلات الإعلامية للشعوب والحضارات الأخرى.

وكوننا نبرز هذا الجانب السلبي ليس من باب الإحباط والتشاؤم ولكن لتسليط الضوء على جوانب ناقصة ومحاولة إضافة وبناء ملامح جديدة لإعلام مغربي متميز ومتطور ومستفيد من تجارب الشعوب والحضارات خاصة المدارس الغربية الفرنكفونية والأنكلوساكسونية منها التي ساهمت بنصيب وافر في تطوير المشهد الإعلامي في العالم .

وحتى نسلط الضوء على هذه الجوانب الناقصة فلابد أولا قبل كل شيء أن نعرف الإعلام كما هو معروف لدى الباحثين والدارسين والمهتمين بمجال الإعلام بشكل إجمالي، حيث  تلتقي جل  التعاريف العلمية على  أنه علم وفن و صناعة يعمل في مجمله على خلق الرأي العام وبث الأفكار والتصورات ونشرها والتعريف بالحضارات والأمم والشعوب والدول سواء بكلياتها أو جزئياتها أو من خلال خصوصيتها أو عموميتها، أو عبر أفرادها أو جماعتها ومكوناتها، أو أقلياتها أو أغلبيتها.

وارتأينا أن نقدم بعض المؤشرات المهمة التي هي في نظرنا المتواضع ملامح عامة يجب تسليط الأضواء تجاهها ، بوضع بعض الإشكاليات والقضايا التي طرحت حول الإعلام في برامج متعددة أو في الندوات والمناظرات والأيام الدراسية والمحاضرات والكتب والمجلات المهتمة بمجال الإعلام خاصة في العالم العربي والإسلامي بدون القفز على التجارب العالمية الإعلامية والمدارس السباقة في هذا المضمار، وقد عرف العالم نماذج متنوعة المرجعيات والمنطلقات والخلفيات والثقافات شرقا وغربا بظهور نظريات حاولت الإحاطة وإعطاء تصورات حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام.

فظهر الإعلام الديمقراطي الذي ينظم الصراع السياسي بين كافة المكونات والفاعلين في المجتمع، وظهر النموذج الإعلامي الشرقي الشيوعي باللجوء لعنصر الاحتكار وفرض الرأي الموحد والأوحد للحزب الوحيد، وظهرت نظريات جديدة مثل الإعلام الحكومي الذي يدافع عن وجهة نظر السلطة الحاكمة، وبالموازاة ظهر أيضا الإعلام الحر أو المستقل، وتوالت التنظيرات حول الإعلام، وعرف العالم مدارس متعددة وضعت بصماتها الإعلامية في المشهد الإعلامي، وصاحبها نقاشات وجدالات وحوارت وتداولات حول الصناعة والمهنة الإعلامية والمنافسة على السبق الإعلامي نحو المعلومة والخبر وسرعة التأثير وأنواع وسائل الإعلام، وكيفية صناعة الرأي العام، فاكتشفت وطورت أساليب وأسلحة جديدة في التأثير والإقناع الإعلامي.

كما طرحت أسئلة نعتبرها من الأسئلة التأسيسية التي تحتاج لجواب شاف وكاف وشامل مرحليا واستراتيجيا، من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث الذات والموضوع، ومن حيث اللغة والرمز والعلامة، ومن خلال النقاش حول جدليات عميقة لازالت تنتظر إجابة كاملة على أسئلتها، ومن خلال تحديد العلاقة بين التنظير والتطبيق، وما بين التحرير والرقابة، بين التصريح والتلميح، بين التحديث والتأصيل، وماهو ظاهر وخفي، وفي العلاقة بين الداخلي والخارجي، وفي الرابط بين التخصصي والموسوعي، وما بين الديمقراطي والاستبدادي، وفي حل المعادلة بين التبسيط والتعقيد، وفي إيجاد الخيط الرابط بين الأسرة والمجتمع والدولة، وفي كيفيات الظهور والحضور والغياب في المشهد الإعلامي، ومن خلال جسر الهوة بين النخبة والجماهير، وفي تبيان العلاقة بين ماهو شأن عام وشأن خاص، وفي محاولة إحداث الموازنة بين الأقلية والأغلبية، وفي كيفية التعامل مع الأفراد و الجماعات، وفي المساحة الفاصلة بين الحرية والرقابة، وفي الإجابة عن أسئلة الأخلاق والمهنة والقانون، وفي حل أزمة المصداقية وبناء الثقة، و في تحلي بالشفافية والمسؤولية والحكامة الجيدة والتدبير المعقلن والإنصاف، وفي جدلية العلاقة بين الدين والدولة، وفي الرابط بين الوطنية والمواطنة والمواطنية – كما قال الدكتور الرئيس المرزوقي- وفي حل أزمة الخيارات المتبعة والمناهج المتخذة للعمل والبناء والتأسيس والتنظير والتقعيد.

و للإجابة على هذه الأسئلة التأسيسية – في نظري- لابد من وضعها في إطار هذه الملامح العامة ومحاولة الإحاطة بها من خلال هذه المبادىء العامة المؤطرة :

– المبادىء العامة المؤطرة

إن ما يجب أن يؤطر الملامح الجديدة لبناء الإعلام المغربي هو هذين المبدأين :

أولا : النظافة بكل ما يمكن أن تحمل من معان ودلالات.

ثانيا : الشرف بكل ما يمكن أن تحمل من معان ودلالات.

– التحديات الواقعية :

1 – العلاقة بين الإعلام والسلطة :

تتلخص في تحديد العلاقة بين الإعلام والسياسة التي تبين العلاقة بين الإعلامي والمواطن والجهات الرسمية والمشهد السياسي، إذ أنها من بين المظاهر التي أثارت الكثير من النقاش وأسالت الكثير من المداد في المشهد الإعلامي في علاقة السلطة الحاكمة بالإعلام والاستغلال والتوظيف الخطير لوسائل الإعلام عبر توظيف خبراء ومهندسين ومستشارين إعلاميين يعملون ليلا ونهارا في إظهار الساسة والحكام على شاشة الصحافة السمعية البصرية، مستغلين بذللك التطور الهائل لوسائل الإقناع والتأثير والاتصال وإبداع أساليب متنوعة واختراع أسلحة إعلامية خطيرة تعتمد التهويل والتمويه والفخفخة والبهرجة والتضليل والكذب والتلفيق والتزوير وإخفاء الحقائق،  والتغاضي عن والوقائع والأحداث بالشكل والوقت والظرفية والنبرة الصوتية والتحليل السياسي المناسب لأهدافهم وتخطيطاتهم ، بل العجب في ذلك أنهم ينطلقون من نظريات ومرجعيات فلسلفية وفكرية، ثقافية وحضارية متعددة قديمة وحديثة، يستمدون منها الشرعية لأفعالهم وممارستهم السلطوية السياسية، ويصنعون بذلك زعامات مغناطيسية وكاريزمات زائفة من أجل التأثير على الجماهير والعمل على سد الباب على الفكر والرأي الحر وفتح المجال أمام الانفعال والتهييج وإثارة الغرائز والنزوات، مستغلين الطبيعة البشرية للشعوب التي ينخفض فيها مستوى الذكاء في التجمعات البشرية الانفعالية الضخمة وانحدار القدرة على التمييز بين الحق والباطل وبين الكذب والصدق، وكذا الظروف التاريخية التي مرت بها هذه الشعوب بسبب الرقابة السلطوية الممارسة عليهم.

ولعل سؤال تغطية الإعلامية للأحداث التاريخية المعاصرة، يبين بشكل جلي وواضح دور الصناعة الإعلامية في إظهار الأحداث خاصة الحروب والصراعات السياسية والدبلوماسية على حسب ما يحلو للسلطة المسيطرة والمهيمنة والمحتكرة للإعلام في العالم، ولعل وقوع أحداث تاريخية معاصرة، و حروب مثل الحروب على العالم العربي والإسلامي في أفغانستان ولبنان وفلسطين والعراق وغيرها، لتبين الرقابة الخفية والظاهرية المفروضة على المعلومة في قضايا « الإرهاب » والعنف وغيرها من القضايا في المغرب والمنطقة  الإقليمية التي تبين الانحياز الإعلامي للسلطة الحاكمة أو لمؤسسات إعلامية عالمية كبيرة ومشهورة كانت معروفة بالمهنية والشفافية والمسؤولية والمصداقية، لكن توالي الأحداث وصراع المصالح أدى بها إلى الانحراف عن السلوك المهني رغم تواجد أفراد أبدعوا وأبانوا عن علو كعبهم في الإعلام واستطاعوا تكوين شخصياتهم الإعلامية ذات أبعاد جديدة متحدين الواقع المهني والسياسي داخل المؤسسات الإعلامية والدول المحتضنة .

2- العلاقة بين الإعلام والإنسان :

إن مما اتفق وأجمع عليه الجميع هو أن الإنسان مدار أي مشروع أو فكرة، ولأن الإعلام يتوجه برسالته بالدرجة الأولى لهذا الإنسان، وهذا له ارتباطات نفسية وذاتية وذهنية وعقلية تمس مجالات علمية مختلفة.

ومن بين ما يركز عليه الإعلام في علاقته بالإنسان الجانب النفسي، محاولا التأثير على أعماق النفس البشرية وجس نبضه الداخلي الذي يعبر عن انفعالاته وتفاعلاته الباطنية المتمثلة في الأحاسيس ومشاعر الغضب والإقبال والقبول والنفور والإدبار والكره والتقذر والتقزز أو الفر ح والسرور والاستبشار … .

وعند استحضارنا لسياقات حضارية مختلفة ودورها في صناعة وتوجيه الإعلام حسب أجندة معينة ومحددة، المشتغلة على نشر ثقافة التقليد الأعمى والذهنية الرعوية ونشر أنماط السلوك والممارسة السلبية الفاشلة والقنبلة والتفجير الدائم للفكر والحس والشعور والغرائز والنزوات البشرية بالعمل على القضاء على الخصوصيات و على القيم المجتعمية والحضارية خاصة بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية ، وبالاعتماد على التمثيل من الواقع و مراوغة القانون، وبالأفلام والمجلات والجرائد والأغاني والأنغام التي تحث على العنف والمحرضة على الشر بشكل مباشر أوغير مباشر، ونشر الإباحية والخلاعة والدعارة والفساد بكل تجلياته، دون التركيز على الجوانب الإيجابية والخيرية فيه .

والكل يعلم التأثيرات الكبيرة والأعراض الجانبية التي تنجم عن علاقة الإعلام بالإنسان من خلال التأثير على الصحة والسلوك والتعامل والعقل والذهن والدماغ، وكذا النتائج المترتبة على الكلام والحديث والأخلاق والعواطف والأحاسيس والمشاعر في ظل متابعة أخبار متلاحقة وأفلام متجددة ومسلسلات مترابطة، التي تعود في  غالبها بانعكاسات سلبية على الإنسان في علاقته مع الإنسانية والبشرية جمعاء، وفي أبعاده الروحية التربوية والوجدانية.

ولأن الإعلام يتطلب وقتا ومدة للمشاهدة والنظر أو المتابعة أو القراءة والسماع والحديث، فإن ذلك يطرح أهمية وقيمة الوقت وعلاقته بالإعلام وبالتنمية البشرية والذاتية وضرورة إعادة النظر في الوقت والزمن الإعلامي.

3- الإعلام ومصادر التشريع :

كثر الحديث مؤخرا في الندوات والأيام الدراسية والمحاضرات و الكتابات، والدعوات خاصة في المغرب إلى قانون إعلامي جديد، ووجهات النظر المتقاطعة، والإشكالات المطروحة حول العلاقة بين قانون الصحافة والقانون الجنائي والخروقات والانتهاكات التي تطال المهنيين والصحفيين، والفساد المتفشي في الجسم الصحفي المغربي، وضرورة إحداث تعديلات أساسية وإصلاحات عميقة أو تغييرات جذرية. وكثرت الدعوات أيضا إلى عقد مناظرات حول الإعلام بالمغرب، وإلى تأسيس مجالس وطنية تلم شعث الصحفيين، وإلى تحرير المشهد السمعي البصري بالمغرب، وخصوصا مع التزايد النسبي لعدد المقاولات الصحفية والإعلامية ، وكذا عدد الطلبات لإنشاء المقاولات الصحفية، علاوة على التناسل السريع للإعلام الجديد والبديل – الإلكتروني – بشتى تلاوينه وملابسه.

لهذا أصبح يطرح السؤال حول العلاقة بين حرية التعبير وضرورة التقنين ارتباطا بالثغرات والفراغات الموجودات في القوانين القديمة، مما يستدعي حتمية وضرورة الإجابة عن سؤال التجديد والتأصيل والتحديث والتغيير والإصلاح، وإمكانية الاعتماد على مرجعيات ومصادر وروافد أخرى للتشريع والتقنين والبناء.

كما أن هذه الإشكالية تحتم علينا ضرورة الصرامة والضبط للمشهد الإعلامي في المستقبل حتى لا يخرج عن أدواره الأساسية والمهنية في إطار – دائما – محاولة الإجابة عن الأسئلة التأسيسية المطروحة في مقدمة المقالة.

4 – الإعلام و المقاربة الأخلاقية، التربوية الوجدانية:

ربما قد يثير  هذا العنوان البارز انتباه الكثيرين ، وربما يطرح السؤال حول العلاقة بين الإعلام والمقاربة الاخلاقية، التربوية والوجدانية.

وهذه المقاربة في نظري واعتقادي هي القادرة على المساهمة بشكل كبير في بناء مشهد إعلامي قوي ومنسجم ومتكامل يحمل ملامح مستقبلية مشرقة وفي التأسيس لمفاهيم جديدة للإعلام في المغرب، مما يستوجب إعادة النظر في المنظومة الإعلامية المغربية الحالية، ومحاولة الخروج من الأزمة البنيوية التي يتخبطها فيها عبر التأسيس لأرضية جديدة ومغايرة، ثم تنقية الجو الإعلامي المتلوث، وكذا حتمية الإجابة عن الأسئلة التأسيسية المؤطرة لهذا المشهد الإعلامي في المستقبل، وضرورة إيجاد أرضية ومساحة مشتركة بين الماضي والمستقبل، وبين المخزون التاريخي والتراثي والنفسي والروحي والقيمي العريق ، وبين الطاقات والآفاق المتجددة.

5 – مقترحات مستقبلية  لبناء  إعلام  مغربي  جديد وقوي  :

إن من بين الركائز أو البنود الأساسية التي يجب أن تؤطر الإعلام المغربي في المستقبل هذه البنود التي سنطرحها للنقاش والتداول والملاحظة و التفكير والفحص والتدقيق والتحليل والدراسة و النقد أو للإضافة و الحذف والإزالة، وهي ملامح أولية نحو بناء إعلام مغربي جديد و قوي، وهي عبارة عن وجهة نظر وأفكار شخصية قد تحتمل الصواب أو الخطأ :

– حتمية وضرورة الإجابة عن الأسئلة التأسيسية والجدليات المطروحة آنفا .

– تبني الانفتاح والاجتهاد في الإبداع والتجديد والتطوير والتنويع في الأساليب والأدوات التأثيرية الإعلامية الايجابية .

– ربط الإعلام بالمنظومة الحضارية والعلمية والفكرية والقيمية والروحية، وإعادة الاعتبار للمقاربة الأخلاقية التربوية الوجدانية.

– الضبط والدقة والصرامة في الزمن الإعلامي.

– عدم الدعاية الكاذبة للسلطة الحاكمة .

– عدم الدعاية للسلع الاستهلاكية الفاسدة والترفية.

– عدم تبني سياسة التنويم والتمويه والمواراة والمدارة على الناس.

– عدم تبليد الحس ومسخ الفكر وتضليل النفوس .

– صرف المشاهد عن المغناطيسية الإعلامية .

– رفض التهييج والتهويل والإثارة والفخفخة والبهرجة الكاذبة.

– عدم الترويج للعنف والدعارة والفساد بكل أنواعه. – احترام الأديان والعقائد. – احترام الخصوصيات الثقافية . – الانتباه ومراعاة التفاوت والاختلاف بين الذهنيات والعقليات والأنماط المجتمعية المختلفة .

– تنوير وتسديد الرأي العام بكافة المستجدات.

– طرح جميع المواضيع والقضايا والمستجدات إلى طاولة الحوار والنقاش أمام الجميع .

– نشر القيم التي تدعو إلى الخير والحق والعدل والإنصاف ومحاربة قيم الشر.

ويتطلب تجسيد هذه المقترحات على أرض الواقع  إرادات وعزائم قوية، وسواعد مشمرة، وعقول خبيرة وحكيمة، وكفاءت وأطر عالية، ولابد قبل كل شيء من ذوي النوايا الصادقة والمخلصة.

كما أن تحقيق ذلك يتطلب الانخراط في مسلسل طويل، وفي مشروع مجتمعي متكامل ومنسجم ومتئد ومتأني ومرن وواضح، يتسم ببعد النظر وبأفق متنور ، مبني على التفكير والتخطيط الإستراتيجي والمستقبلي هدفه تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

هل باتت صحة المواطنين بتنغير على كف عفريت ؟

مراسلة حسن أعبدي .

تواصلت حدة الاحتجاجات النسائية أمام مستشفى تنغير صباح يوم الأربعاء 19 نونبر 2014 تنديدا واحتجاجا على تردي الخدمات الصحية، وعلى غياب أدنى شروط العلاج والاستشفاء والتطبيب،وعلى ظروف التعامل واستقبال المرضى حسب تصريح شهود عيان من بعض النساء المرافقة لزوجة المواطن عيسى الوسطاني أب التوأمين اللذين توفيا بسبب الإهمال ” ليلة الإثنين 17 نونبر 2014.

وهو الأمر الذي أنكرته مندوبية الصحة بتنغير في تصريح لأحد موظفيها بعدما رفض المندوب الإقليمي للوزارة الإدلاء بأي تصريح في هذا الإطار ، كما نفاه مكتب الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالمستشفى في بيان أصدره اليوم الأربعاء يذكر فيه ملابسات الحادثة، و يعتبر ما ورد في بعض المواقع الإلكترونية عار من الصحة، من جانبه ندد رئيس الاتحاد المغربي للصحافة الإلكترونية عبد الحكيم الصديقي، مؤكدا أن الاتحاد سواء على المستوى الوطني أو المحلي سيصدر بيانا تنديديا في غضون الساعات القادمة ، وندد أيضا عدد من الإعلاميين بما ورد في البيان بالمضايقات والاستفزازات التي تعرض لها مجموعة من الإعلاميين أثناء تغطيتهم للوقفات الاحتجاجية أمام المستشفى يومي الثلاثاء والأربعاء ، معتبرين ذلك هجوما على حرية الصحافة وعلى حق الوصول إلى المعلومة على حد تعبيرهم .

و بعد عصر هذا اليوم شوهدت المريضة زوج المواطن عيسى الوسطاني محمولة على ظهر امرأة في حالة صحية منهارة وحاملة معها ورقة الفحص و ظرف من الحجم المتوسط مكتوب عليه بالفرنسية ” إلى مستشفى الراشيدية ” في اتجاه سيارة الإسعاف التابعة للمكتب الإقليمي لمنظمة الهلال الأحمر التي نقلتها على وجه السرعة إلى مستشفى مولاي علي الشريف بالراشيدية رفقة زوجها . كما أن السلطات المحلية قد حضرت لعين المكان في شخص قائد المحلقة الثانية الذي دخل في حوارات ثنائية وجماعية مع النساء المتظاهرات، قبل أن يلتحق به باشا المدينة بدوره الذي أكد لهن بأن عامل الإقليم كلفه بالاستماع لمطالبهن شرط تكليف لجنة تتحاور مع الطبيب الرئيسي رفقة باشا المدينة دام هذا الحوار عدة ساعات صرحت بعدها اللجنة بأنها أخبرت أن الملف قد طوي ووقع تصالح بين الطرفين وهو ما استنكرته وكذبته اللجنة وباقي المرابطات أمام باب المستشفى .

DSC04847 DSC04807 DSC04808 DSC04809 DSC04825 DSC04826 DSC04829 DSC04830 DSC04838 DSC04839 DSC04840 DSC04847 DSC04850 DSC04851 DSC04853 DSC04854 DSC04856 DSC04862 DSC04864 DSC04869 DSC04871 DSC04873 DSC04874 DSC04875 DSC04877

الرياضة المغربية والأزمة البنيوية

حسن أعبديأوزين

لطالما فكرت كثيرا في النقاشات التي تثار حول تعيين مدرب  لكرة القدم، وحوله راتبه وامتيازاته، وحول كيفية تعيين المدرب، حول الجامعة الملكية لكرة القدم، وكيفية تعيين أعضائها ورئيسها كيفية تقييم وأدائها ومعرفة دورها طرق تدبيرها وتسييرها للشأن الكروي بالمغرب .

وغير ما مرة تساءل الكثير من الصحفيين والمتابعين والمهتمين، وغيرهم حول الإخفاقات المتكررة والمتتالية لكرة القدم المغربية خاصة المنتخب الأول في الاستحقاقات الكروية القارية والإقليمية والعالمية والهزائم التي يحصدها بشكل ثقيل أمام خصوم ضعاف الأداء والرصيد التاريخي الكروي خاصة في السنوات القليلة الأخيرة الماضية.

لست هنا بصدد الإشارة إلى التفاصيل والجزئيات، ولست هنا بصدد الحديث عن النتائج، وعن أداء اللاعبين والحديث عن خطة المدرب، وإنما النقاش سينصب على عمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الرياضة المغربية عموما و كرة القدم بشكل خاص.

وكثيرا ما تناولت وسائل الإعلام السمعية البصرية والورقية والإلكترونية فضائح كرة القدم والرياضة المغربية بصفة عامة أثناء تمثيلهم للمغرب في الخارج، بدون تقديم أمثلة ونماذج، فهي غنية عن التعريف والتمثيل.

ولطالما ما تداولت ألسنة وأقلام وصور وفديوهات الإعلام والجمهور المغربي العام أثناء نقاشاتهم الخاصة والعامة في المقاهي أو في أماكن نوادي وجلساتهم الخاصة حول كرة القدم والرياضة، ونحن نعرف مدى تلهف وشوق وتشوف وتلهف واستلاهاب هذا الحديث للكثير من المغاربة بمجرد إثارته، بل يكاد يكون الخبز اليومي عند غالبيتهم، بل أكثر من ذلك فهم يفضلون هذا النقاش على مشاكلهم ومعاناتهم اليومية، وعلى أمور هامة وذات أولوية وخطيرة تستحق منهم الاهتمام والمتابعة أكثر من غيرها، ربما محاولة منهم التناسي والتنفيس بذلك عن أنفسهم، أو محاولة للهروب من الحقيقة والواقع الذي لا يرتفع أو تفاديا لنقاشات أخرى تجرهم لأمور يخافون منها أو يتجنبون الخوض فيها أو التغاضي وغض الطرف عنها، أوتحييدها عن دائرة النقاش،  أو أو  … .

يتحدثون عن كرة القدم وكأنها إله من الألهة الرياضية التي تعبد من دون الله سبحانه ، فإذا كان لابد أن تموت باقي الرياضات لتعيش كرة القدم في المغرب، فالموت لكرة القدم كما قال المفكر الإيطالي أمبرطو إيكو، فقد أضحت أفيونا ومخدرا للشعوب تنومها مغناطيسيا؛

ثم إن اختزال الرياضة في كرة القدم أمر خطير على الرياضة بصفة عامة، وكأنها هي الرياضة التي تمارس لوحدها فقط، كل ذلك  لتركيز أصحاب رؤوس الأموال عليها لشعبيتها في المغرب  بشكل  خاص ، وكذا إرتكاز الدولة عليها في مخططاتها الرياضية، ولأن الأولوية أعطيت لها من خلال تخصيص ميزانيات ضخمة وخيالية رغم الفشل المتكرر في النتائج المحصودة، في حين تجد رياضات أخرى تحصد نتائج مهمة ولا تحصل إلا على دعم ضئيل مثل  ألعاب  القوى وغيرها ، ولن يثنينا هذا على أن نؤكد على ضرورة إحداث التكافؤ في الفرص والدعم والتأطير والتوجيه … بين جميع الرياضات الوطنية.

يتحدثون أيضا عن تفاصيل المباريات ومتابعتهم الدقيقة لها تحليلا وانتقادا وملاحظة، وعن خطة المدرب، وعن التكتيتك الذي دخل به المدرب، وعن الرهانات قبل وأثناء وبعد المباريات، وفي ذلك يأخذك العجب في المواهب التي تتفتق في التحليل والرصد والتتبع والدقة والملاحظة اللامتناهية.

يتحدثون عن ضرورة استبدال المدرب، وضرورة الاعتماد على مدرب وطني بدل أجنبي، وعن أجر المدرب، وتغيير رئيس الجامعة، ومطالبتهم بطرد مجموعة من اللاعبين واستبدالهم بآخرين، وعن جلب لاعبين من الخارج أو الاعتماد على اللاعبين المحليين، والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام والرأي العام الوطني في الغالب هي من تقود وتدير وعيا منها أو بدون وعي، غرضا منها أو مرضا، أو خوفا أوصمتا، أو تفاديا وتجنبا منهم لنقاشات أعمق، أو توجيها تواطئا منهم ضد النقاش الحقيقي، في مقابل إثارة مواضيع ونقاشات ثانوية وفارغة، وهنا فالتعميم ليس من شيم الرجال كما يقال، والاستثناءات الشريفة والفاضلة والغيورة لا يمكن أن نغمطها حقها.

ضنا منهم أن المشكلة في المدرب أو في اللاعبين أو حتى في الجامعة وفي الوزارة الوصية، دون الإحاطة الشاملة بالموضوع والإشكالية، ووضعها في سياقها ومسارها العام، ودون معرفة العوامل الذاتية والموضوعية، والبحث في ما وراء السطور، وما وراء الكواليس والظل والمخططات والبرامج من وراء الستار، ودون وضع أسس وركائز أساسية وتصورية لفهم الظاهرة الرياضية بالمغرب، وعلاقتها بالوضع القائم والسائد، مع ربطها بالمنظومة المجتمعية ككل .

إن ما لا تريد أن تفهمه العقول والحويصلات الضيقة العاجزة عن التفكير والدراسة والبحث والتقصي والتحليل العميق، وفهم ما وراء الستور والسطور وما وراء الأحداث، وتعتمد سياسة النعامة والهروب إلى الأمام، ويا للخيبة أن النخبة المتحكمة في زمام الأمور والمحيط الحاكم في البلاد الذي يدير الرياضة المغربية من وراء حجاب، يعلمون يقينا أن الفشل العام على جميع الأصعدة هو الذي أسقط البلاد في مهاوي خطيرة، وهذه النخبة هي السبب الأول والرئيسي في الأزمة، ويعلمون أيضا بأنها أزمة بنيوية شاملة عامة مست الرياضة المغربية، وضربت كل قيمها ومبادئها وأخلاقها النبيلة عرض الحائط، وشلت حركتها وأضعفتها فأوصلتها للحضيض.

ليس التدبير ولا التسيير أيها المغاربة الكرام هو السبب، وإنما الأزمة أعمق وأخطر وأشد توغلا وتغولا وتداخلا وترابطا كلما عمقنا البحث والتقصي.

ولعل المطلع على الدراسة التي قام بها الباحث الأكاديمي في المجال الرياضي منصف اليازغي في مجلة وجهة نظر المغربية سنة 2007، المعروفة بتوجهها الأكاديمي والعلمي في الطرح والتناول حول الرياضة وكرة القدم المغربية وعلاقتها بالمخزن المغربي وبالشخصيات النافذة والقوية في الدولة من عالم السياسة، ومن عوالم مجهولة أخرى، وبمسميات عدة وأقنعة حربائية متلونة، من خلال تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة، ودعمها الإيجابي والسلبي للرياضة المغربية خاصة في رياضة كرة القدم، ناهيك عما غاب عن أعيننا، وصمت به أذاننا، وبكمت به أفواهنا، فهو الأدهى والأمر.

الباحث منصف اليازغي قدم النموذج الألماني، وأشار إلى تجربته في كيفية تدبير الشأن الرياضي، وفي كيفية تحديد العلاقة بينما هو سياسي ورياضي، ومتى تتداخل السياسة مع الرياضة، ومتى لا يجب أن تتداخل، والعودة إلى هذه الدراسة تغني عن هذه الإشارات واللمحات العامة.

إن عدم ربط الرياضة المغربية بالمنظومة المجتمعية والقيمية والحضارية، وإعادة الاعتبار للبعد التربوي والأخلاقي في الرياضة، وإن أحادية التسيير والتدبير والتأطير والإدارة والتفكير والتخطيط، وعدم اعتماد مقاربات تشاركية وتوافقية وديمقراطية بين كافة الفاعلين والمتدخلين والمهتميين في الشأن الرياضي، والتخلي عن العقلية الإستبدادية، وإن عدم الضرب على أيادي العابثين بالمال العام الرياضي، ومحاربة المفسدين والدخلاء والمتطفلين والمتطاولين على الرياضة الذين يمارسون البلطجة الرياضية- إن صحت النسبة وصح التعبير- وقد جعلوا من الرياضة المغربية بقعا وحفرا وبؤرا وأوكارا نتنة يعشش فيه الفساد منذ عقود.

وإن عدم معاقبتهم وتركهم يصولون ويجولون دون حسيب ولا رقيب على جميع الأصعدة والمستويات، والتعامل معهم بانتقائية وبحصانة وحماية ورعاية ودعم والتغاضي عنهم، ليكشف التواطىء الخسيس معهم.

لقد آن الأوان أن تعتمد سياسة القرب الرياضي التي تعني اللامركزية واللاتمركز في اختيار وانتقاء الكفاءات والمواهب والأطر ورجال الرياضة المغربية، وإشراك جميع المغاربة من جميع المناطق بدون استثناء وإقصاء ولا انتقائية لكي ندفع بعجلة الرياضة نحو الأمام، وسياسة القرب تعني سياسة الحوار والتأطير والتواصل الفعال والمثمر المستمر بتقريب الإدارة الرياضية من المواطنين في جميع مناطق المغرب التي تسهر على تنفيذ السياسات الرياضية العامة وتشركها في عملها عبر إشراكها أيضا كافة المتدخلين المحليين في الشأن الرياضي لمناطقهم وتأهيل أطرها وعناصرها البشرية الرياضية في جميع الرياضات. وآن الأوان أيضا أن تختار وتنتخب الاتحادات الرياضية بشكل ديمقراطي سليم ونزيه.

إن عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة والمتابعة اللصيقة لكل متدخل في الشأن الرياضي تصورا و تخطيطا وتنسيقا وتنفيذا وإدارة لن يفيد في معالجة وحل مشاكل ومعضلات الرياضة المغربية؛ فلن تنفع الأماني المعسولة، ولا الأحلام الخادعة، ولا الشعارات البالونية البراقة، ولا التصريحات المطمئنة المهدئة المخدرة، ولا بعض التشييدات الرياضية من هنا وهناك، ولن تنفع الرتوشات والترقعيات، ولا تعيين الأطر والكفاءات الوطنية ومغربتها – مع تأييدنا لهذا الخيار ودعمه- في الإجابة الحتمية عن الأزمة العميقة التي تستوجب حلا جذريا وشاملا عميقا يقتلع الجذور الخبيثة للداء العضال، وإعادة البناء في إطار مشروع مجتمعي متكامل ومنسجم يجيب عن الإنتظارات من بوابة إعادة بناء جسور الثقة بين كافة المتدخلين والفاعلين والمهتمين والأطر والكفاءات بدون تمييز ولا إقصاء ولا تهميش ولا تحييد، بعيدا عن المقاربات الأحادية الجانب الاستبدادية الفاشلة، واعتماد مقاربة تشاركية في جميع مراحلها، وعلى جميع الأصعدة والمستويات.

الأمر الذي يمكننا من الإجابة عن الأزمة البنيوية العميقة للرياضة المغربية، ويمكننا أن نحدد العلاقة بين الرياضة والسياسة بتحديد للعلاقة بين أليات التداخل وآليات الفصل بينهما ، مع الحذر من مزلق تكرار استنساخ التجارب؛ ثم إنه لابد من إبعاد الشخصيات النافذة والمستفيدة “العفاريت” و “التماسيح” و “التينينات” و”الديناصورات” من الشأن الرياضي. ولابد لهؤلاء ولأصحاب الظل الطويل أن يأخذ مسافة بعيدة عن الرياضة، فقد زكموا الأنوف برائحتهم الكريهة، فما عادت تحتمل الأنفاس الرياضية الطيبة التي تريد أن تستنشق هواءا رياضيا نقيا صافيا تستطيع أن تقطع به مسافات طويلة تربحنا ميداليات وكؤوسا، وتهدي لنا انتصارات وأمجاد، وتمثل و تشرف أحسن تمثيل وتشريف.

فكافكم خبط عشواء ميمنة ميسرة، وكفاكم فضاعة وخزيا وعاراوذلا وتعاسة يا أصحاب الظل الطويل، تعابير لن تستطيع أن تصور وتصف مدى الخراب والدمار الذي أصاب الرياضة المغربية منذ عقود . وإن إعادة الإصلاح والترميم والبناء، وتغيير واقع الرياضة المغربية ليتطلب جهود كافة الغيورين على الرياضة المغربية .

إقليم بالجنوب الشرقي للمغرب بدون محكمة ابتدائية

بقلم حسن  أعبدي *

كثيرا ما يلفت انتباهنا تلك البناية المطلة منذ عقود على الشارع الرئيسي لمدينة تنغير، المقابلة لمقر الباشوية. إنها بناية «مركز القاضي المقيم» أو «النواة المصغرة للمحكمة الابتدائية»، أو «دار سيدي القاضي».
وبالرغم من أنها لم تعف الساكنة من متاعب شد الرحال، وعياء السفر، وحجم التهميش… فلطالما كانت ملاذا للكثير من ذوي القضايا المرتبطة بالأسرة والأحوال الشخصية خاصة قضايا الطلاق التي عطنت رائحتها في الآونة الأخيرة بعد عقود زواج لا تكاد تتجاوز بضعة أشهر على أقل تقدير.
المركز بناية قديمة مهترئة لا تغطي مساحتها إجمالا إلا بعض الأمتار المربعة، رغم بعض الترميمات هنا وهناك… يعاني من خصاص مهول في الموارد البشرية، وعدم تسوية وضعية بعض الأجراء، حيث يضم المركز بالإضافة إلى مكتبي القاضي المقيم ونائب وكيل الملك، مكاتب بعض الموظفين المعدودين على رؤوس الأصابع، وعون واحد ورجل أمن خاص.
ويباشر فيه خمسة موظفين في مكتب النيابة العامة عملهم في غرفة مساحتها لا تتجاوز 3/3 متر مربع بدون أدنى شروط العمل المهنية، وبدون التوفر على جناح خاص بالأرشيف.
ويطالب موظفي المركز بتعميم الاستفادة من تعويضات الحساب الخاص، بما في ذلك التعويضات الجزافية والخاصة على جميع الموظفين بدون استثناء.
ومنذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ سنة 2004، ومع الارتفاع الملحوظ في الكثافة السكانية التي عرفتها مدينة تنغير في السنين الأخيرة، خاصة منذ إعلانها عمالة جديدة، والقضايا المختلفة تتقاطر كالمطر المنهمر على مركز القاضي المقيم في مشهد نترك للمارة والزائرين والمتقاضين وصفه والتعليق عليه…
ازدحام على الأبواب، واكتظاظ داخل قاعة الحكم، وطوابير طويلة رجالية ونسائية لا تنتهي، تمتد إلى خارج القاعة في صفوف ملتفة وملتوية قرب الأزقة المجاورة، قادمون من مختلف مناطق تنغير ونواحيها. وقد يمتد العمل، في بعض الأحايين، إلى ساعات متأخرة من الليل بدون تعويض الموظفين عن ساعات العمل الإضافية، ويستمر هذا المشهد طيلة أيام الأسبوع خاصة الأيام الأولى منه.
كل ذلك لم يحرك ساكنا ولا متحركا للتفكير في حلول عاجلة تريح المتقاضين والساكنة، ودون أن يقض هذا الوضع مضجع المسؤولين على الصعيد المحلي والوطني.
فغالبية القضايا المعروضة على القاضي المقيم، قضايا الطلاق بالدرجة الأولى، ثم قضايا أخرى مختلفة تمس الأسرة بشكل عام، وبعض القضايا الجنحية والمدنية والأحوال الشخصية مثل كفالة الأطفال المهملين.
وتبقى ظاهرة الطلاق بتنغير تطرح أكثر من علامة استفهام كبيرة محيرة، إذ سجل بالمركز حالة واحدة للصلح بين الطرفين من بين مئات الحالات المعروضة، فيما باقي القضايا تعرض على المحكمة الابتدائية بورزازات.
ويعزو بعض المهتمين والباحثين والفاعلين ارتفاع حالات الطلاق إلى ضعف التربية الأسرية، وإلى عامل التأثر بالثقافة الغربية، وبالثقافة السلبية للمدن المغربية الكبرى، ناهيك عن عوامل أخرى تحتاج لمزيد من الدراسات والأبحاث.
ومن بين الحالات التي أحيلت على القاضي المقيم، حالات استثنائية لتعدد الزوجات في حالة نادرة كالعقم والمرض.
وبالنسبة للقضايا الأخلاقية والآداب، فقد سجلت حالات استثنائية لقضايا الخيانة الزوجية، بالأخص الحالات المقبوض عليها تلبسا.
كما عرضت أيضا حالات كانت تتهيأ لإعداد أوكار للدعارة بمجموعة من الأحياء بمركز المدينة. 
فكيف يمكن استساغة كون إقليم مساحته تعادل مساحة بعض الدول في العالم، وتعداد ساكنته تصل إلى أزيد من 300 ألف نسمة بدون محكمة ابتدائية؟… ومتى سيعرف هذا الملف طريقه إلى الحل؟..images

زايد أوحماد ورحلة المقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي

بقلم حسن أعبدي.Zaid-Ouhmad

كنت قد كتبت مقال مبسطا في مرحلة الثانوية في مجلة خاصة بمؤسسة صلاح الدين الأيوبي بمركز مدينة تنغير  سميت بالأمازيغية   ” توسنا ” – المعرفة  بالعربية، كان مقالا افتتاحيا للمجلة تحدث عن شخصية تاريخية بارزة في مرحلة تاريخية مهمة بعد معركة بوكافر في ثلاثنيات القرن الماضي من تاريخ المقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي في تنغير.

 إنه المقاوم والمجاهد البطل زايد أوحماد إبن تمستوشت من قبائل أيت مرغاد التي ترعرع فيها منذ نعومة أظفاره..
واليوم وقد  راودني الحنين لتلك الأيام، فكان أن دار حوار بسيط ومحادثة بيني وبين والدي حفظه الله الذي كان أحد أعضاء المقاومة وجيش التحرير الحسين بن علي بن المدني -86 عاما- ، حول هذه المحطات التاريخية، وانتهزت الفرصة لسؤاله عن هذا المقاوم والمجاهد الكبير، الذي تسمى به أقدم إعدادية بتنغير .
وحسب الرواية الشفوية له – الحسين بن علي بن المدني- ، فقد كان راعيا قبل أن يعمل غصبا في أحد أوراش إنجاز الطرق، ثم تعرض بعد ذلك للإهانة والصفع من طرف ” الشاف ” أحد قادة جند الاستعمار الفرنسي المنطقة، استشاط زايد أوحماد غضبا ونقمة فشعر بالإهانة مهتزا، فقرر استرداد كرامته بقتل ”الشاف”،  ليفر مختبئا بين الجبال، من قرية إلى قرية، من فج إلى فج، من مسجد إلى آخر، من مكان إلى آخر، حاملا معه بندقيته فوق كتفه، متنقلا بها تحت دوي صفارات الاستنفار والمطاردة.
كان زايد أوحماد يعلم علم  اليقين أنه مقبوض عليه لامحالة، فقد أطلقت ” الكنتينة ” – أي المقر المركزي لقيادة الاستعمار  بالمنطقة-  جواسيسها وأذانها في كل مكان، وفي كل قرية من قرى قبائل أيت  حديدو وأيت تدغة وأيت مرغاد وأيت عطا والمناطق المجاورة، لتقصي أخباره ورصد تحركاته وجولاته .
تمكن زايد أوحماد في مشهد بطولي رجولي منفردا لوحده، بجلبابه وعمامته الشامخة، وبهمته العالية، وقوة إيمانه ويقينه من قنص العديد من جند وأعوان المستعمر بالمنطقة طيلة مسار مقاومته وجهاده وتحديه للاستعمار، منهم أربع فرنسيين في المقر المركزي للاستعمار الفرنسي بمركز تنغير، المسمى آنذاب ” الكنتينة ”.
ولكي ينال الاستعمار من مضاء عزيمته وقوة  شكيمته استعان بشيوخ بعض القبائل لتشويه سمعته، الذين اتهموا وورطوا عمدا وظلما بدون مبرر بعض الرجال في المنطقة خيانة أو لعداوة شخصية معهم، أو عن  طريق  الضغط  والإكراه، أو خوفا من إلصاق تهمة إخفاء وإيواء زايد أوحماد.  كما  نالت  العديد  من  أبناء  هذه القبائل . 
لجأ زايد أوحماد إلى أحد المغارات بالقرب من قرية  ” أيت بوجان ” – إحدى قبائل تدغى العليا – فراه أحد أبناء أخ شيخ قبيلة أيت بوجان، فقال له بأنه سيخبر عمه شيخ القبيلة،  اضطر زايد أوحماد أن  يرديه قتيلا فورا حتى لا ينكشف أمره.
استطاع أن ينفلت مرة أخرى من قبضة جند وأعوان المستعمر، متوجها إلى ” تدافالت ”  لكن عيون الجواسيس رصدت كل تحركاته، ورغم حرصه الشديد على السرية التامة في تنقلاته، فقد تمكنت من معرفة مكانه ب ” بتدافالت” .

لم يتمكن زايد أوحماد  هذه المرة الفرار مجددا من قبضة المستعمر لكن العسكر أحاطوا البيت الذي كان يـأوي إليه، وبينما زايد أوحماد يستطلع الوضع ويتفقد المكان ألقى بنظرة خاطفة من النافذة التي كانت ترقبها أسلحة وترصدها عيون العسكر وأعوانه، ليفاجأ بإطلاق النار عليه، فلم يصيبوه في المرة الأولى ، فحاول الفرار مجددا من البيت نحو مكان آخر، لكنه تلقى رصاصة غدر أردته شهيدا في المرة الثانية.

وحسب بعض الروايات الشفوية يقال بأنه بعد ذلك مثل بجثته وأحرقت لحيته، ليسقط زايد شهيدا بطلا شامخا كبيرا في تاريخ المقاومة والجهاد والكفاح في المغرب، وفي تاريخ جبال الأطلس الكبير وسفوحها الجنوبية، وليبقى رمزا شامخا بين قبائل المنطقة، وليضرب به المثل في الشجاعة والصمود والتحدي والكرامة  والعزة  والشموخ، وفي تاريخ المقاومة ومحاربة الاستعمار الفرنسي.
فلتعيش يا أيها  البطل  المقاوم  المجاهد  الرمز الشهيد  زايد أوحماد، هنيئا مريئا بجنات الرضوان والفردوس الأعلى، ورحمك الله وأسكنك فسيح جناتك،  ستظل نبراسا لكل مقاوم ومجاهد ومكافح ومناضل من أجل الحرية والكرامة والعدل والعزة والاستقلال .

فأبشر ولتهنىء فقد أنصفك التاريخ .

 

من القبيلة إلى المدينة

resizedimage-61resizedimage (6)

حاوره: حسن  أعبدي *

مرحبا  بكم  جميعا  في  لقاء تواصلي   وحوار علمي  في العمق (عبر حلقات) مع أحد أبناء  المغرب  العميق الناجحين  والبارزين على الساحة  الوطنية والدولية .

نستضيف اليوم الأستاذ  الدكتور  الباحث  في  علم الاجتماع القروي بجامعة ابن  طفيل بالقنيطرة السيد محمد السلمي .

في  البداية  دكتور محمد السلمي، مرحبا إيسون أهلا  وسهلا ومرحبا  بكم  سيدي  الكريم، ولكم  منا أستاذي الكريم  ومن جمهور أبناء منطقة  تنغير  والنواحي كل الشكر والتحية والتقدير على هذا الحوار الذي  نتمنى  أن  يلقى  استحسانا  وقبولا  لدى كل  المتتبعين والمهتمين  والرأي  العام  المحلي  والجهوي والوطني.

 / دكتور السلمي وددنا  لو تفضلتم  وتكرمتم  لو  تعطينا لمحة عن  مسيرتكم  ومساركم البحثي خاصة  في  مجال  علم الاجتماع  الذي هو مجال  تخصصكم ؟ ثم  ماذا  تمثل تنغير بالنسبة  لكم ؟

ـ تحية طيبة لكم  ولكافة مناضلي تنغير، وأهل هذه المنطقة  كلهم مناضلون جميعا بالقوة وبالفعل إلا من أبى هذا اللقب وهذا التصنيف.

 تحية لكافة مغاربة ما وراء الجبال، سكان ما سمته الدراسات الكولونيالية ب “المغرب غير النافع” “Le Maroc inutile” .

وكان كذلك بالنسبة لهم لما تكبده المستعمر من خسائر فادحة دون أن ينال مبتغاه.

ليس لدى شخص متواضع مثلي ما يقوله عن نفسه لولا بعض الإشارات التي قد يستفيد منها غيري ممن يقرأ هذه السطور، وسأعود إليها في مناسبة أخرى بمزيد من التفصيل إن تيسر ذلك، لأكشف مسار تلميذ ضمن أول فوج يدشن التعليم الإعدادي بتنغير، ويدشن الباكالوريا بثانوية بومالن دادس، ويتخرج من المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة، ثم من المركز التربوي الجهوي بذات المدينة، ثم يعود إلى  ثانوية زايد أحماد فيكون أول تلميذ من تلاميذها يتخرج فيرجع إليها أستاذا للغة الفرنسية منضما لأساتذتها رفقة أستاذة أخرى للفيزياء، قبل أن يلتحق بثانوية سيدي محمد بن عبد الله بأفانور، وبعدها بمركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط، ويعين مستشارا في التوجيه التربوي بجامعة محمد الخامس، ويواصل مسار التعليم العالي في تخصص علم الاجتماع بدبلوم الدراسات المعمقة، ثم دبلوم الدراسات العليا ثم الدكتوراه، ويلتحق بجامعة ابن طفيل مدرسا منذ انطلاقة شعبة علم الاجتماع بهذه الجامعة سنة 2003.

لم يكن التحاقي بالسوسيولوجيا منذ البداية، كسائر الطلاب، بل أتيتها عبر نافذة معادلة لم يحصل عليها في المغرب غيري لحد الساعة.

حللت بهذا المجال أحمل تجربة  متواضعة من الميدان والإدراة والتربية، والممارسة البيداغوجية، والعمل الجمعوي، ومن العمل السياسي والحقوقي، بالمغرب وفي بلدان أوروبية وأسيوية وإفريقية.

كانت أولى بداياتي في البحث الميداني منذ 1985  مع بحث حول القوانين العرفية

 لقبائل أيت عطا.

كنت حينها  أزور القايد علي ابن عسو  في منزله بتاغيا نيلمشان (بتدغى السفلى)، وكان مرجعا معتمدا عند الباحث الأنثروبولوجي الأمريكي دافيد هارت David Hart، فيما نشره بموسوعة  “Les africains “ ، وفي روايته المستوحاة من الثقافة الشعبية لأيت عطا.

 “ Dadda Atta and his forty grandsons  وأجريت مقابلات مع من شاركوا وعايشوا معركة بوكافر، وتدريبا بمركزالقاضي المقيم بتنغير، وقفت أثناءه على أرشيف هام من سجلات مكتب الشؤون الأهلية للإدارة الفرنسية.

Le bureau des affaires indigènes ولعله مما نسيت الإدارة الاستعمارية أن تحمله معها ليصبح جزءا من خزانة وزارة الخارجية الفرنسية، ولم يعلم من جاؤوا بعدها بقيمته.

وقابلت شيوخا وأعيانا من رجال المنطقة رحلوا عنا الآن حاملين معهم كنوزا من المعارف التاريخية والاجتماعية غير مدونة مع الأسف الشديد، وأخص منهم بالذكر( الشيخ باسو علي السالمي، والشيخ عدي موحى السالمي، وسيدي حمو عبد العليم من تزكي بعد عودته من المنفى، وموحمد أوعدي نايت ساكوش من أيت الفرسي، وهيشو نايت إريح من مسمرير..)  .

لقد كانت تنغير جزءا من كياني، واكبت تاريخها منذ الأحداث الأليمة لسنة 1973، والعقاب الجماعي والحصار الاقتصادي الذي فرض عليها، ومآسي الهجرة إلى الخارج، والفساد الإداري والقضائي، والحيف الضريبي، والإهمال الطبي،  وهشاشة بنية التعليم والبنيات التحتية  التي تفضحها الفيضانات وحوادث السير المفجعة،  وكتبت عدة مقالات عن هذا المجتمع الذي يعيش  وينمو بلا دولة، وخصصت  أطروحة الدكتوراه لمساهمة المرأة في التنمية بتنغير، كما نشرت دراسة سوسيوأنتربولوجية حول “أعراف الزواج بمنطقة تنغير” ضمن منشورات جامعة ابن طفيل.

2/ الدكتور  محمد السلمي،  كمدخل  للحوار  بودنا  لو  نعرج  قليلا على دور علم  الاجتماع برأيكم هل  يقتصر على الوصف  والتحليل، أم يتجاوز ذلك إلى تقديم حلول وإجابات للمجتمع ؟

عندما نعود إلى تأليف رواد ومؤسسي السوسيولوجيا الغربيين أمثال : سان سيمون Saint-Simon، وهربت سبنسر Herbert Spencer- ، وأوكوست كانت Auguste Comte-، وإميل دوركهايم Emile Durkheim- ، وماكس فيبMax Weber-، وكارل ماركس– Karl Marx، وغيرهم نجد هموم مجتمعاتهم ومشاكلها بمثابة المحرك والطاقة الدافعة التي توجه بوصلة البحث حتى في عمق أسسه النظرية.

 وجاء من بعدهم بانخراط أكثر قوة في هذه الهموم عبر الانتماءات السياسية والنقابية والإيديولوجية كما الشأن عند الإيطالي أنطونيو غرامشي–   Antonio Gramsci

صاحب فكرة “المثقف العضوي”، والفرنسي بيير بورديوPierre Bourdieu –، وألان تورين– Alain Touraine –  وإدجار مورانEdgar Morin-… السوسيولوجيا- منذ نشأتها- لم تكن ترفا معرفيا، بل دراسة علمية موضوعية  للمجتمعات البشرية في حدود الممكن والمتاح.

 وقد وظفتها الإدارة الاستعمارية لتستنير بها في فهم المجتمعات المُستعمَرة واتخاذ القرارات المناسبة، ووجهت إلى البحث السوسيولوجي خيرة رجال إدارتها الأمنية والعسكرية والمدنية.

3/ المطلع على بعض  الإصدارات السوسيولوجية المغربية  يجد بأن علم الاجتماع أو السوسيولوجيا  حاضرة في كل المجالات ؟

وقد طرح  السوسيولوجي مارسيل جوليفي مفهوم التداخل  التخصصي أو ما  يسمى بالتعدد التخصصي معتبرا السوسيولوجيا القروية فرعا  من فروع  علم  الاجتماع؟

كما برز في  الأوساط السوسيولوجية الأكاديمية المغربية من يقول

“كلنا  قرويون”ولعله الدكتور الأستاذ الراحل محمد جسوس رحمه  الله ؟

فهل ينطلق علم الاجتماع في  التحديد الجغرافي للمجال التمدني- الحضري والقروي- الريفي، من المساحة، أم من عدد  السكان أم من  محددات ومعايير أخرى؟

لابد من اعتماد معايير دقيقة لتحديد المجال التخصصي لكل علم، ولابد في عصرنا إلى جانب هذه الضرورة من تضافر جهود اختصاصات متعددة للدفع بالبحث العلمي إلى الأمام، سواء تعلق الأمر بالعلوم التجريبية، أو بالعلوم الإنسانية. فالسوسيولوجيا في حاجة إلى العلوم القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأنتروبولوجياـ والديمغرافيا والإحصاء واللسانيات واللغات…. أثناء دراستها  للبنيات والعلاقات والمؤسسات الاجتماعية.

وهذه العلوم بعضها في حاجة إلى بعض. وبتنوع المجالات التي اقتحمها البحث السوسيولوجي تنوعت فروع السوسيولوجيا لتغطي مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والفن والدين والثقافة ..وغيرها.

وكان لبعض الفروع تميز عن غيرها، إما بوفرة الأبحاث والدراسات المنجزة كما، أو عمقها وتميزها كيفا، وإما بشهرة من ولجها من الباحثين، وإما لوجود دعم من الدولة أو من الدول المهتمة بهذا النوع من البحث أو ذاك كما الشأن بالنسبة للدراسات الكولونيالية، أو دعم إعلامي أو سياسي…وأهم دعم للبحث العلمي أن تًستثمر نتائجه لخدمة مشروع مجتمعي تًعطي انطلاقتَه إرادة سياسية جادة في التغيير.

4/ ـ  دكتور بصفتكم ابن منطقة تنغير ثم باحثا ومتخصصا في علم الاجتماع، كيف ترون هذا العنوان البارز:   “ تنغير من القبيلة إلى المدينة “  ؟

ـ مما لاشك فيه أن خبراء السوسيولوجيا الاستعمارية من أمثال : إيدمون دوتي-  Edmond Doutté،  و جاك بيرك- Jacques Berque، و روبير مونطاني- Robert  Montagne  و إرنست جيلنير- Ernest Gellner لما درسوا البنيات القبلية المغربية، كانت دراساتهم بحثا عن معرفة تيسر الهيمنة، وتمكن للوجود الاستعماري، وتضع حدا لمقاومة شرسة في مرحلة سمتها فرنسا بمرحلة  “التهدئة” Phase de pacification، دكت أثناءها الآلة الحربية الفرنسية بطائراتها ومدفعيتها الثقيلة حصون القبائل الصامدة، قبل توقيع الهدنة مع بعضها كما حدث بين الجنيرال هيري Huré وعسو أوباسلام لإنهاء معركة بوكافر، والتفاوض مع من قبل التفاوض….وباشرت بعد ذلك تعاملها مع الوضع القبلي مستفيدة من بنياته.

 ثم سارت الإدارة المخزنية بعد الحماية على نفس النهج، جاعلة من القبيلة دعامة أساسية للنظام، ومن شيوخ و“مقدمي” القبائل أعوانا للسلطة.

وفي هذا السياق جاء كتاب ريمو لوفو- Rémy Leveau ” الفلاح المغربي مدافع عن العرش” ”  Le fellah marocain défenseur du trône“.

ولرصد مسار التحول الذي شهدته المنطقة، لابد من ذكر خلاصة أساسية مفادها أن طبيعتنا البدوية تجعلنا ننبهر بالعمران كلما اتسع، وبالنمو الديمغرافي كلما ارتفع، ونرى في كثرة البنايات والعمارات والسيارات تمدنا يولد نوعا من الرضى الداخلي، والإحساس بالتطور، والخروج من العزلة، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في المقدمة بكون المغلوب مولع على الدوام بانتحال نحلة الغالب.

من هذا المنطلق فتنغير المكتظة أزقتها بالسيارات، المتنامي بنيانها وساكنتها بسرعة، تنغير “العمالة”… بخير وعلى خير .

 لقد انتقلنا من قبيلة الأمس إلى مدينة اليوم. لكن العمق السوسيولوجي، والتحليل الموضوعي لا يقبل هذا التبسيط .

5/ فما الإضافة التي يمكن إذن للسوسيولوجيا بمعاييرها وضوابطها العلمية أن تقدمها لفهم تطور المجتمع التنغيري؟

ـ  تنغير جزء متخلف، من هذا البلد العزيز المنتمي بدوره إلى عالم متخلف وليقل من شاء قولة الفرنسيين :au royaume des aveugles les borgnes sont des rois “.

   وأقول بلغتنا : ” نُوفْ كا، يفاغْ كا، ونَّا نُوفْ، تُوفاس المُوت “.

  إن مقاييس ومؤشرات التنمية أو التخلف لا تؤخذ اعتباطا، وإنما بأضدادها تعرف الأشياء. فمنطقة يتجاوز تعداد ساكنتها المئتي ألف نسمة، ولا تتوفر في الألفية الثالثة على مستشفى واحد يستحق هذا الاسم، به أقسام جراحة وأطباء مختصين، و به الضروري من التجهيزات والمعدات والأدوية، هذا وحده كاف لإعطاء صورة موضوعية بمقاييس عالمية لمؤشرات التنمية.

 فلا داعي لإثارة مؤشرات أخرى لمتوسط الدخل، ومستوى المعيشة، ونسب البطالة….أكيد أن العمران توسع وتمدد، بيد أنه تمدد عشوائي كما الحال في كثير من مناطق المغرب.

 زحف الأسمنت المسلح بشكل فوضوي على الأراضي الزراعية، ومناطق الرعي، في غياب احترام لتصاميم التهيئة، وفي غياب شبه تام للمرافق العمومية الضرورية، وانعدام كلي لمظاهر جمالية التمدن والعمران، وغياب شوارع شاسعة لاستيعاب النمو السكاني المطرد، إنه الاختناق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى . سببه جشع، وقصر نظر، وغياب مساءلة ومحاسبة، وفساد إداري، وسلسلة من مكامن الخلل في إدارة لم تستطع بعد ضمان التحديث مع صون المصلحة العامة.

على مستوى القيم، تهشمت بشكل كبير قيم إنسانية عالية، وأخلاق هي أس الركائز في بناء المجتمعات الإنسانية.

لا أقول اندثرت بالكلية، لكن الذي ذهب منها في ظرف زمني قياسي يستحق دق ناقوس الخطر. مجتمع مدني يستحق كل التقدير والاحترام، بإمكانه أن ينوب عن الدولة ويسد عجزها، رغم أن دوره بالأساس في البلدان الديمقراطية مراقبة الأداء الحكومي، وتشكيل لوبيات الضغط للحفاظ على الصالح العام .

 لكن الهواجس الأمنية للدولة، أبقت على صورتها النمطية التقليدية تجاه أهل المنطقة، فهم في نظرها مصدر للضرائب، وأرضهم خزان مناجم يستفيد منها الكبار، وعمق تفكيرها منصب على آليات تفكيك قيم التضامن بين أهلها، وتوسيع بؤر التوتر والتفرقة، وما حرب أراضي الجموع التي وظفت إبان الربيع الديمقراطي الذي عرفته دول الجوار، إلا سلاح تمت تجربته وتأكدت نجاعته، ثم أرجع إلى المخازن، وسيعاد استعماله عند الضرورة.

فهل يعد هؤلاء السكان مواطنون، أم أعداء ؟ يبقى السؤال بدون جواب طالما غاب أهل المنطقة عن مراكز القرار. فغيرهم يتكلم دوما عنهم بالطريقة التي يريد.

6/ ومن هذا الآخر الذي يتكلم بالنيابة عن أهل تنغير؟

الجميع من دون أهلها.

هل سمعت قط بوزير أو مسؤول حكومي كبير من تنغير؟ أو مسؤول أمني كبير، أو عسكري، أو إداري، أو مستشار، أو سفير؟ أو رجال أعمال كبار؟ هل تتاح الفرصة لشباب المنطقة لإبراز مواهبهم العلمية والفكرية والفنية والرياضية؟

إنه التهميش والحصار والإقصاء الممنهج.

وعندما يتكلم الغير بالنيابة عن أهل المنطقة، فالصور النمطية الجاهزة، والأحكام المسبقة الخاطئة، المدعمة – عن قصد أو بدونه – بخلفيات عرقية أو جهوية، وترسبات تاريخية، وتأثير الكتابات والثقافة الاستعمارية الحاقدة…

كل هذا قد يحضر فيؤثر سلبا ويكرس وضعا غير موضوعي.

القرارات الهامة تتخذ في إطار مجالس ومؤسسات، وقد تكون انفرادية أحيانا، فلا حضور ولا حظوظ هنالك.

ومن الممكن جدا أن يؤثر في القرار ارتباط المغرب المتواصل مع فرنسا، التي قد يتأثر مسئولوها بما يقرؤون عن المقاومة الشرسة لأهل المنطقة، وعن حرب العصابات التي قادها ثوار أبطال ضد الغزو الاستعماري من أمثال :  زايد أوحماد رحمه الله، وكانت تقاريرهم تنعتهم بالإرهابيين “terroristes“، مع أنهم لم يقوموا بغزو فرنسا، بل هي التي غزت أرضهم.

7/ ألا  ترون أستاذي الكريم أن مناطق أخرى في المغرب تعيش نفس الوضع ؟

بالطبع، لكن بدرجات متفاوتة.

ففي المغرب حضور كثيف لعائلات معينة، ولقبائل أو مناطق معينة، في مجالات محددة

(في السلك الدبلوماسي، والأمن، والجيش، والمقاولات الكبرى…ومراكز القرار الحقيقية، والمناصب الإدارية العليا..)، وبفعل هذا النفوذ فالتوظيفات، وعقود التشغيل لليد العاملة في الخارج،  بل حتى الاستثمارات الأجنبية المهمة توجه إلى مناطق بعينها.

 إن الملاحظة الأولية للبطالة في المنطقة، تبين أن تنغير تتجاوز المعدل الوطني بكثير، وكان بإمكان الدولة على مستوى الإدارات العمومية أن تتدارك خطأ الجهة التي تستغل الثروة المنجمية بالمنطقة، لتعطي الأولوية في التعيينات والتوظيفات لأبناء المنطقة.

وسيكون ذلك خطوة لتفعيل ترسيم الأمازيغية . فإنه بمثابة تعطيل للدستور أن يفرض على المواطنين الأمازيغ بتنغير أن يخاطبوا موظفي الإدارات العمومية ب”الدارجة”وهم لا يتقنونها.

وأخطر من ذلك أن يكونوا عرضة للسخرية، وهم يتلكئون في الحديث مع هؤلاء الموظفين بلغة غير لغتهم. وغير مقبول على الإطلاق أن يعيش المواطن الغربة في بلده.

فأول واجبات هذه الإدارة التي يفترض أنها في خدمة المواطن، أن تعلم موظفيها لغة التواصل مع هؤلاء المواطنين.

وهذا ما دأبت عليه حتى الدول الأجنبية حينما ترسل موظفيها الدبلوماسيين وغيرهم إلى بلد من البلدان، فما بالك بدولة يعتبر أهل تنغير جزء منها ؟

8/ هذا خطاب جد متقدم في الدفاع عن الأمازيغية، أليس كذلك ؟

أنا أمازيغي معتز بهذا الانتماء، بلا تعصب. ولم أفوض لغيري أن يتكلم باسمي في هذا الموضوع.

وأحاول في هذا الحوار أن تظل أجوبتي موضوعية محايدة قدر المستطاع، إذ لا ينبغي للخطاب السوسيولوجي مهما غاص في هموم المجتمع، ومهما كان انخراط الباحث والتزامه العضوي، أن يتحول إلى بيان سياسي.

لا أقحم نفسي في سجال “نكتة أبي زيد” وما شابهها.

لكن الموضوع يحتاج إلى تبصر وعمق، وفي القضية حقوق مهضومة، وكرامة منتهكة، وتهميش كبير، قد يشكل خطرا على مصلحة المجتمع.

9/ أنتقل  بكم  لو  سمحتم إلى  موضوع  الهجرة، فقد  أثار  عبد  الرحيم  العطري  في  كتابه :” تحولات  المغرب  القروي – أسئلة  التنمية  المؤجلة ” مصطلح

”الزمكاري ”، فهل لهذا  المصطلح أو  الوصف  تجليات  في  المجتمع  التنغيري؟

ـ إنها فرصة لأحيي الصديق العزيز الأستاذ الجامعي الدكتور عبد الرحيم العطري على إنتاجاته القيمة، وحضوره الإعلامي المتميز.

 أما ظاهرة الهجرة أو “الزماكرية” les immigrés، على وزن “الزوافرية”

les ouvriers كما عاشتها تنغير فهي في حاجة إلى دراسات معمقة ذات أبعاد سوسيولوجية وأنثروبولوجية واقتصادية وسياسية وسوسيولغوية… كانت واحة تدغى  والمناطق المجاورة لها منذ القدم أرضا مستقطبة لهجرات القبائل المستقرة بها. لكن محدودية النشاط الزراعي وشظف العيش فرض على الشباب القادرين على العمل طيلة القرن العشرين رحلة الشتاء والصيف صوب مناطق الأطلس المتوسط “أزغار”، أو في اتجاه ضيعات المعمرين الفرنسيينب”التزاير”(الجزائر).

 وأثناء حرب تحرير الجزائر انخرط البعض في الجهاد ضد الاستعمار، وعاد من عاد، وسافر آخرون رفقة المعمرين إلى كورسيكا وجنوب فرنسا… ثم توالت الهجرة إلى فرنسا بواسطة “موغا” (Felix Mora)  في ظروف تحيي في الذاكرة مشاهد الرق والاستعباد

(ويمكنكم مشاهدة التسجيل التالي بهذا الصدد  http://www.dailymotion.com/video/x3vuuo_mora-felix_news .

أو بطرق أخرى صوب عدة مدن فرنسية (خاصة مونبليي  و  نيس  و باريس).

هاجر الشباب، ثم تزوجوا. وتركوا الزوجات مع الأبناء في حماية الآباء وتحت سلطة الأمهات، داخل أسر ممتدة عششت فيها أصناف المعاناة الاجتماعية.  لاشك أن عمل الأب في فرنسا وفر للأبناء “رفاهية” مادية لا تتاح لغيرهم. لكن في المقابل حرمان الأسرة من الأب، وعجز الزوجة عن القيام بالأدوار المنوطة بها، وهدر مدرسي…ومستقبل يتبخر.

فكر البعض في التجمع العائلي، فاستقدموا الزوجات والأبناء، وعجز آخرون عن ذلك.

وظل حلم الهجرة يراود فئات عريضة من الشباب، لتتشكل في المنطقة ما سميته بالصنف الثاني من هجرة الأدمغة : شباب هنا، ودماغه هناك. ثم تطورت إلى الهجرة السرية التي يسميها الأوروبيون ب”غير الشرعية”.  وبعد انسداد الآفاق في ظل الأزمة التي ضربت إسبانيا وإيطاليا، اشتد الخناق وساءت الأوضاع بشكل غير مسبوق.

 كانت اليد العاملة المهاجرة تدر على المنطقة العملة الصعبة، ثم صارت تدخل السلع المستعملة في تكيف جديد مع وضع  صعب للغاية.

 أما الدولة المغربية فغائبة تماما عن معالجة الوضع، فدماء المهاجرين تفرقت بين عدة مؤسسات مكلفة بالمهاجرين (وزارة الهجرة، مجلس الهجرة، مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وزارة الخارجية….).

*طالب مجاز في  الدراسات  العربية – مراسل صحفي إلكتروني.

 tgoumaste01@gmail.com