زايد أوحماد ورحلة المقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي

بقلم حسن أعبدي.Zaid-Ouhmad

كنت قد كتبت مقال مبسطا في مرحلة الثانوية في مجلة خاصة بمؤسسة صلاح الدين الأيوبي بمركز مدينة تنغير  سميت بالأمازيغية   ” توسنا ” – المعرفة  بالعربية، كان مقالا افتتاحيا للمجلة تحدث عن شخصية تاريخية بارزة في مرحلة تاريخية مهمة بعد معركة بوكافر في ثلاثنيات القرن الماضي من تاريخ المقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي في تنغير.

 إنه المقاوم والمجاهد البطل زايد أوحماد إبن تمستوشت من قبائل أيت مرغاد التي ترعرع فيها منذ نعومة أظفاره..
واليوم وقد  راودني الحنين لتلك الأيام، فكان أن دار حوار بسيط ومحادثة بيني وبين والدي حفظه الله الذي كان أحد أعضاء المقاومة وجيش التحرير الحسين بن علي بن المدني -86 عاما- ، حول هذه المحطات التاريخية، وانتهزت الفرصة لسؤاله عن هذا المقاوم والمجاهد الكبير، الذي تسمى به أقدم إعدادية بتنغير .
وحسب الرواية الشفوية له – الحسين بن علي بن المدني- ، فقد كان راعيا قبل أن يعمل غصبا في أحد أوراش إنجاز الطرق، ثم تعرض بعد ذلك للإهانة والصفع من طرف ” الشاف ” أحد قادة جند الاستعمار الفرنسي المنطقة، استشاط زايد أوحماد غضبا ونقمة فشعر بالإهانة مهتزا، فقرر استرداد كرامته بقتل ”الشاف”،  ليفر مختبئا بين الجبال، من قرية إلى قرية، من فج إلى فج، من مسجد إلى آخر، من مكان إلى آخر، حاملا معه بندقيته فوق كتفه، متنقلا بها تحت دوي صفارات الاستنفار والمطاردة.
كان زايد أوحماد يعلم علم  اليقين أنه مقبوض عليه لامحالة، فقد أطلقت ” الكنتينة ” – أي المقر المركزي لقيادة الاستعمار  بالمنطقة-  جواسيسها وأذانها في كل مكان، وفي كل قرية من قرى قبائل أيت  حديدو وأيت تدغة وأيت مرغاد وأيت عطا والمناطق المجاورة، لتقصي أخباره ورصد تحركاته وجولاته .
تمكن زايد أوحماد في مشهد بطولي رجولي منفردا لوحده، بجلبابه وعمامته الشامخة، وبهمته العالية، وقوة إيمانه ويقينه من قنص العديد من جند وأعوان المستعمر بالمنطقة طيلة مسار مقاومته وجهاده وتحديه للاستعمار، منهم أربع فرنسيين في المقر المركزي للاستعمار الفرنسي بمركز تنغير، المسمى آنذاب ” الكنتينة ”.
ولكي ينال الاستعمار من مضاء عزيمته وقوة  شكيمته استعان بشيوخ بعض القبائل لتشويه سمعته، الذين اتهموا وورطوا عمدا وظلما بدون مبرر بعض الرجال في المنطقة خيانة أو لعداوة شخصية معهم، أو عن  طريق  الضغط  والإكراه، أو خوفا من إلصاق تهمة إخفاء وإيواء زايد أوحماد.  كما  نالت  العديد  من  أبناء  هذه القبائل . 
لجأ زايد أوحماد إلى أحد المغارات بالقرب من قرية  ” أيت بوجان ” – إحدى قبائل تدغى العليا – فراه أحد أبناء أخ شيخ قبيلة أيت بوجان، فقال له بأنه سيخبر عمه شيخ القبيلة،  اضطر زايد أوحماد أن  يرديه قتيلا فورا حتى لا ينكشف أمره.
استطاع أن ينفلت مرة أخرى من قبضة جند وأعوان المستعمر، متوجها إلى ” تدافالت ”  لكن عيون الجواسيس رصدت كل تحركاته، ورغم حرصه الشديد على السرية التامة في تنقلاته، فقد تمكنت من معرفة مكانه ب ” بتدافالت” .

لم يتمكن زايد أوحماد  هذه المرة الفرار مجددا من قبضة المستعمر لكن العسكر أحاطوا البيت الذي كان يـأوي إليه، وبينما زايد أوحماد يستطلع الوضع ويتفقد المكان ألقى بنظرة خاطفة من النافذة التي كانت ترقبها أسلحة وترصدها عيون العسكر وأعوانه، ليفاجأ بإطلاق النار عليه، فلم يصيبوه في المرة الأولى ، فحاول الفرار مجددا من البيت نحو مكان آخر، لكنه تلقى رصاصة غدر أردته شهيدا في المرة الثانية.

وحسب بعض الروايات الشفوية يقال بأنه بعد ذلك مثل بجثته وأحرقت لحيته، ليسقط زايد شهيدا بطلا شامخا كبيرا في تاريخ المقاومة والجهاد والكفاح في المغرب، وفي تاريخ جبال الأطلس الكبير وسفوحها الجنوبية، وليبقى رمزا شامخا بين قبائل المنطقة، وليضرب به المثل في الشجاعة والصمود والتحدي والكرامة  والعزة  والشموخ، وفي تاريخ المقاومة ومحاربة الاستعمار الفرنسي.
فلتعيش يا أيها  البطل  المقاوم  المجاهد  الرمز الشهيد  زايد أوحماد، هنيئا مريئا بجنات الرضوان والفردوس الأعلى، ورحمك الله وأسكنك فسيح جناتك،  ستظل نبراسا لكل مقاوم ومجاهد ومكافح ومناضل من أجل الحرية والكرامة والعدل والعزة والاستقلال .

فأبشر ولتهنىء فقد أنصفك التاريخ .

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *